كانوا يقيمون الشعر مقام الكتاب ، فتبلغه الركبان : كما تبلغ الكتاب يعرب عن ضمير الكاتب كما يعرب الرسول ، وكذلك الشعر المبلغ ، فسمي : رسولاً . وبين الرسول والمرسل معنى دقيق ينتفع به في فهم قول الله عز وجل : « وأرسلناك للنًّاس رَسُولا » النساء فإنه لا يحسن في مثل هذا أن يقال : أرسلناك مرسلاً ، ولا نبأناك تنبيئاً ، كما لا يحسن : ضربناك مضروباً ، ولكشف هذا المعنى وإيضاحه موضع غير هذا ، واختصار القول فيه : أن ليس كل مرسل رسولاً ، فالرياح مرسلات ، والحاصب مرسل ، وكذلك كل عذاب أرسله الله ، وإنما الرسول اسم للمبلغ عن المرسل . ويجوز أن يكون رسولاً حال من قوله : بلغا عامراً وكعباً رسولاً ؛ إذ قد يعبر بالواحد عن الاثنين والجماعة في مثل هذا اللفظ ، تقول : أنتم رسولي ، وهي رسولي ، تسوي بين الجماعة والواحد والمذكر والمؤنث . وفي التنزيل : « فَأْتِيَا فِرْعَوْن فَقولا إنَّا رسُولُ رَبِّ العالمين » الشعراء فيكون المفعول على هذا : أن نفسي إليهما مشتاقة ، ويكون أن على القول الأول بدلاً من رسول أي : رسالة . وقوله : وخروس السرى تركت رذياً . إن خفضت فمعناه : رب خروس السرى تركت ، فتركت في موضع الصفة لخروس ، وإن نصبت جعلتها مفعولاً بتركت ، ولم يكن تركت في موضع صفة ؛ لأن الصفة لا تعمل في الموصوف ، والسري : في موضع خفض لخروس على العجاز كما تقول : نام ليلك . يريد : ناقة صموتاً صبوراً على السرى ، لا تضجر منه ، فسراها كالأخرس ، ومنه قول الكميت : كتومٌ إذا ضجّ المطيّ ، كأنما * تكرّم عن أخلاقهنّ وترغب وقول الأعشى : كتوم الرّغاء إذا هجّرت * وكانت بقيّة ذودٍ كتم وإنما قال : خروس في معنى الأخرس ؛ لأنه أراد كتوم ، فجاء به على وزنه . قال البرقي وكنت ماوية بنت كعب تحب سامة أكثر من إخوته ، وكانت تقول ، وهي ترقصه صغيراً : وإن ظنّي بابني إن كبن * أن يشتري الحمد ، ويغلي بالثّمن ويهزم الجيش إذا الجيش ارجحن * ويروّي العيمان من محض اللّبن يقال : كبن وأكبن : إذا اشتد . وذكر قول جرير لبني جشم بن لؤي : بني جشمٍ لستم لهزّان ، فانتموا * لأعلى الرّوابي من لؤيّ بن غالب يقال إنهم أعطوا جريراً على هذا الشعر ألف عير ربي ، وكانوا ينتسبون إلى ربيعة ، فما انتسبوا بعد إلا لقريش .