فإن تعزوه [1] تجدوه أبي دون نسائكم ، وأخا ابن عمي دون رجالكم ، فبلغ بالنذارة [2] ، وصدع بالرسالة ، مائلا عن مدرجة [3] الناكثين ، ناكبا عن سنن المشركين ، ضاربا لأثباجهم [4] ، آخذا بأكضامهم [5] ، يجذ الأصنام ، وينكت الهام [6] ، داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة حتى انهزم الجمع وولى الدبر ، وحتى تولى [7] الليل عن صبحه ، وأسفر الحق [8] عن محضه ، ونطق زعيم الدين [9] ، وخرست شقاشق الشياطين [10] ، وفهتم بكلمة الإخلاص [11] ، وكنتم على شفا حفرة من النار ، مذقة الشارب ، ونهزة الطاعن [12] ، وقبسة العجلان [13] ، وموطئ الأقدام [14] ، تشربون الرنق [15] ،
[1] يقال : " عزوته إلى أبيه " إذا نسبته إليه ، أي إن ذكرتم نسبه وعرفتموه تجدوه أبي وأخا ابن عمي . [2] النذارة بالكسر : الإنذار وهو الإعلام على وجه التخويف . [3] المدرجة : المذهب والمسلك . [4] الثبج بالتحريك : وسط الشئ ومعظمه . [5] الكظم بالتحريك : مخرج النفس من الحلق . والمعنى أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان لا يبالي بكثرة المشركين واجتماعهم ولا يداريهم في الدعوة . [6] النكت : إلقاء الرجل على رأسه ، يقال : طعنه فنكته . والهام جمع الهامة وهي الرأس والمراد قتل رؤساء المشركين وقمعهم وإذلالهم أو المشركين مطلقا . [7] في نسخة البحار : تضرى . والمعنى : انشق حتى ظهر ضوء الصباح . [8] يقال : " أسفر الصبح " أي أضاء . [9] زعيم القوم : سيدهم والمتكلم عنهم ، والزعيم أيضا الكفيل . [10] الشقاشق جمع شقشقة بالكسر وهي شئ كالرية يخرجها البعير من فيه إذا هاج ، وإذا قالوا للخطيب ذو شقشقة فإنما يشبه بالفحل . [11] يقال : فاه فلان بالكلام - كقال - أي لفظ به ، كتفوه . وكلمة الإخلاص كلمة التوحيد . وفيه تعريض بأنه لم يكن إيمانهم عن قلوبهم . [12] مذقة الشارب : شربته . والنهزة بالضم : الفرصة ، أي محل نهزته . أي كنتم قليلين أذلاء يتخطفكم الناس بسهولة . [13] القبسة بالضم : شعلة من نار يقتبس من معظمها . والإضافة إلى العجلان لبيان القلة والحقارة . [14] وطي الأقدام مثل مشهور في المغلوبية والمذلة . [15] الرنق : تراب في الماء من القذى ونحوه . ورنق الماء : كدر .