منه بمواضع المقدور [1] ، ابتعثه إتماما لعلمه ، وعزيمة على إمضاء حكمه ، وإنفادا لمقادير حتمه . فرأى ( عليه السلام ) الأمم فرقا في أديانها ، عابدة لنيرانها ، عاكفة على أوثانها ، منكرة لله عز وجل مع عرفانها [2] ، فأنار الله به ظلمها ، وجلى عن الأبصار غممها [3] ، وفرج عن القلوب بهمها [4] ، وقام في الناس بالهداية ، وأنقذهم من الغواية ، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم إلى الطريق المستقيم . ثم قبضه الله عز وجل إليه قبض رأفة واختيار [5] ، وتكرمة وهب ، ونقله عن تعب هذه الدار ، موضوعا عن عنقه الأوزار ، مخلدا في دار القرار ، محتفا به الملائكة الأبرار ، في مجاورة الملك الجبار ، رضوانه عليه وعلى أهل بيته الأخيار ، وصلى الله على نبيه وأمينه على وحيه وصفيه من الخلائق وسلم كثيرا . ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت : وأنتم عباد الله نصب أمره ونهيه [6] ، وحملة معالم علمه ووحيه ، وأمناؤه على أنفسكم ، وبلغاؤه إلى الأمم [7] ، خولكم عهده الذي قدمه إليكم ، وبقيته التي استخلفها فيكم [8] كتاب الله ، بصائره نيرة لذوي الألباب [9] ، وآي كاشفة سرائره وبرهانه ، وحججه النيرة ، ومواعظه المكررة ، ومحارمه المحذرة ، ورخصه [10] الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة ، وفضائله المندوبة .
[1] أي لمعرفته تعالى بما يصلح وينبغي من أزمنة الأمور الممكنة المقدورة وأمكنتها ، ويحتمل أن يكون المراد بالمقدور المقدر . [2] لكون معرفته تعالى فطرية ، أو لقيام الدلائل الواضحة الدالة على وجوده سبحانه . [3] جلوت الأمر : أوضحته وكشفته . والغمم : جمع غمة ، يقال : أمر غمة أي مبهم ملتبس . [4] البهم : جمع بهمة وهي مشكلات الأمور . [5] أي من الله له ما هو خير له ، أو باختيار منه ( صلى الله عليه وآله ) ورضا . [6] أي نصبكم الله لأوامره ونواهيه . [7] أي تبلغون الأحكام إلى سائر الناس . [8] العهد : الوصية ، وبقية الرجل : ما يخلفه في أهله ، والمراد بها القرآن ، أو بالأول ما أوصاهم به في أهل بيته وعترته وبالثاني القرآن . [9] البصائر : جمع بصيرة وهي الحجة ، ونيرة أي واضحة . [10] الرخص : المباحات .