عبد المطلب فسره ما رأى منهم وقال لهم : يا بني أصبحتم اسود العرب . ثم دخل إلى حرب فقال له : قم فاخرج إليهم يا أبا الحرب . فقال حرب : هربت من واحد وأخرج إلى عشرة ؟ فقال : خذ ردائي فالبسه فإنهم إذا رأوا ردائي عليك لم يهيجوك . فلبسه ثم خرج ، فرفعوا رؤوسهم ونظروا إلى رداء عبد المطلب ونكسوا رؤوسهم حتى جاز . فذلك قوله : " إن أشرف من حرب من كفا عليه إناءه وأجاره بردائه [1] . وقيل : كان لعبد المطلب ماء بالطائف يدعى ذا الهرم ، فادعته ثقيف واحتفروا ، فخاصمهم فيه عبد المطلب إلى عزى سلمة الكاهن العذري بالشام ، وخرج مع عبد المطلب ابنه الحارث ونفر من قومه ، ولا ولد له يومئذ غيره ، وخرج جندب بن الحارث الثقفي خصم عبد المطلب في نفر من قومه . فلما كانوا ببعض الطريق نفد ماء عبد المطلب فسأل عبد المطلب الثقيفيين أن يسقوه من مائهم ، فأبوا ، وبلغ العطش منهم كل مبلغ ، وظنوا أنه الهلاك ، ونزل عبد المطلب وأصحابه وأناخوا إبلهم وقد يئسوا من الحارث ، فظهر [2] الله لهم عينا من تحت جران بعير عبد المطلب ، فحمد الله وعلم أن ذلك غوث الله ، فشربوا وتزودوا . ثم نفد ماء الثقيفيين فطلبوا إلى عبد المطلب أن يسقيهم . فقال ابنه الحارث : والله لئن سقيتهم لأضعن سيفي في هامتي [3] ولأجثين عليه حتى ينجم من ظهري . فقال له عبد المطلب : يا بني استقم ولا تفعل ذلك بنفسك . وسقاهم عبد المطلب . وانطلقوا إلى الكاهن وقد خبئوا له خبيئا وهو رأس جرادة في حربة مزاده ، وعلقوه في قلادة كلب لهم يدعى سوارا . فلما أتى القوم الكاهن فإذا هم ببقرتين تسوقان بحزجا [4] كلتاهما ترأمه
[1] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 15 : ص 229 - 231 مع اختلاف في رواية ألفاظ القصيدة . [2] كذا في الأصل والظاهر : فطر أو فأظهر . [3] في ظاهر الأصل : رهامتى ، والظاهر هامتي . [4] البحزج : ولد البقرة الوحشية ( لسان العرب 2 / 211 ) .