فبعث الله بأبي طالب إليه ، فلما أن بصر به المثرم قام إليه فقبل رأسه وأجلسه بين يديه ، فقال له : من أنت يرحمك الله ؟ فقال : رجل من تهامة . قال : من أي تهامة ؟ قال : من مكة . قال : ممن ؟ قال : من عبد مناف . قال : من أي عبد مناف ؟ قال : من بني هاشم . فوثب إليه العابد فقبل رأسه ثانية وقال : الحمد لله الذي أعطاني مسألتي ولم يمتني حتى أراني وليه . ثم قال : أبشر يا هذا فإن العلي الأعلى قد ألهمني إلهاما فيه بشارتك . قال أبو طالب : وما هو ؟ قال : ولد يخرج من صلبك هو ولي الله تعالى ذكره ، وهو إمام المتقين ووصي رسول رب العالمين ، فإن أنت أدركت ذلك الولد فاقرئه مني السلام وقل له : إن المثرم يقرؤك السلام وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأنك وصيه حقا ، بمحمد تتم النبوة ، وبك تتم الوصية . قال : فبكى أبو طالب وقال : ما اسم هذا المولود ؟ قال : اسمه علي . قال أبو طالب : إني لا أعلم حقيقة ما تقول إلا ببرهان بين ودلالة واضحة . قال المثرم : فما تريد أن اسأل الله تعالى لك ليعطيك في مكانك ما يكون دلالة لك ؟ قال أبو طالب : أريد طعاما من الجنة في وقتي هذا . فدعا الراهب بذلك ، فما استتم دعاءه حتى اتي بطبق عليه من فاكهة الجنة رطب وعنب ورمان ، فتناول أبو طالب منه رمانة ونهض فرحا من ساعته حتى رجع إلى منزله ، فواقع فاطمة بنت أسد ، فحملت بعلي ، فارتجت الأرض وزلزلت بهم أياما حتى لقيت قريش من ذلك شدة ففزعوا وقالوا : قوموا بآلهتكم التي في ذروة جبل أبي قبيس حتى تسألوهم أن يسكنوا ما نزل بكم وحل بساحتكم . فلما اجتمعوا على ذروة جبل أبي قبيس جعل يرتج ارتجاجا حتى تدكدكت منه صم الصخور وتناثرت وتساقطت الآلهة على وجوههم ، فلما بصروا بذلك قالوا : لا طاقة لنا بما حل بنا . فصعد أبو طالب الجبل وهو غير مكترث بما هم فيه ، فقال : أيها الناس إن الله تبارك وتعالى أحدث في هذه الليلة حادثة وخلق فيها خلقا إن لم تطيعوه وتقروا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم فلا تكن لكم