فصرت بالبيت مسروراً به جذلاً * حاوي البراءة لا شكوى ولا شغب فرداً يحدّثني حقّاً وينطق لي * عن عِلم ما غاب عنّي منهم الكتب المؤنسون هم اللائي غنيت بهم * فليس لي في جليس غيرهم أرب [1] فالكتاب خير جيران وأوفى صديق أو أكفأ صاحب ، خال من الخيانة ، رقيق شفيق ، ومعاشر منصف ، ومعلّم متواضع ، وأنيس ناصح ، وناطق صادق ، ومترجم فصيح ، أليف في السفر والحضر ، ونديم في الليل والنهار ، فما رأيت أحمد أخلاقاً ولا أدوم سروراً ولا أسكت غيبة ولا أحسن مؤافاة ولا أعجل مكافاة ولا أبدى نفعاً ولا أخفّ مؤنة من الكتاب ، وقد قال الله تعالى ( إقرأ باسم ربّك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * إقرأ وربّك الأكرم * الّذي علّم بالقلم * علّم الإنسانَ ما لم يعلم ) [2][3] .
[1] مروج الذهب 2 / 42 وفيه : « للسوء » بدل « للموت » . [2] العلق : 1 - 5 . [3] مروج الذهب 2 / 41 - 42 . قال المسعودي : « وقد قالت الحكماء : الكتاب نعم الجليس ، ونعم الذخر ، إن شئت ألهتك نوادره وأضحكتك بوادره ، وإن شئت أشجتك مواعظه ، وإن شئت تعجّبت من غرائب فوائده ، وهو يجمع لك الأوّل والآخر ، والغائب والحاضر ، والناقص والوافر ، والشاهد والغائب ، والبادي والحاضر ، والشكل وخلافه ، والحسن وضدّه ، وهو ميّت ينطق عن الموتى ، ويترجم عن الأحياء ، وهو مؤنس ينشط بنشاطك ، وينام بنومك ، ولا ينطق معك إلاّ بما تهوى ، ولا تعلم جاراً أبرّ ، ولا خليطاً أنصف ، ولا رفيقاً أطوع ، ولا معلّماً أخضع ، ولا صاحباً أظهر كفاية ، وأقلّ خيانة ، ولا أجدى نفعاً ، ولا أحمد أخلاقاً ، ولا أقلّ خلافاً ، ولا أدوم سروراً ، ولا أسكت غيبة ، ولا أحسن موافاة ، ولا أعجل مكافاة ، ولا أخف مؤنة منه ، إن نظرت إليه أطال إمتاعك ، وشحذ طباعك ، وأيّد فهمك ، وأكثر علمك ، وتعرف منه في شهر ما لا تأخذه من أفواه الرجال في دهر ، ويغنيك عن كدّ الطلب ، وعن الخضوع لمن أنت أثبت منه أصلاً ، وأسمح فرعاً ، وهو المعلّم الذي لا يجفوك ، وإن قطعت عنه المائدة لم يقطع منك الفائدة ، وهو الذي يعطيك بالليل طاعته لك بالنهار ، ويعطيك في السفر كطاعته لك في الحضر . . . » .