الإستجازة إلى يومنا هذا من باب التشريف والتيمّن ، حيث يجيز الأستاذ تلميذه أو من هو بمستواه بعد أن يطّلع على حسن حاله ، ويطمئنّ لاستنباطاته واستدراكاته ، ولا تكون الإجازة إلاّ بعد الإمتحان والاختبار ، فيمنحه مثلاً إجازة الرواية لكتب الشيخ الصدوق أو الشيخ الطوسي - طاب ثراهما - وكتب الشيخ نفسه ، ويشترط عليه تحرّي الدقّة والاحتياط وعدم الخروج عن دائرتهما . ولكنّ هذا العمل صار في زماننا متروكاً مهجوراً باعتبار انتفاء السالبة الكليّة ، فلا تجد عيناً ولا أثراً لعلم الدراية والرجال والتجريح والتعديل والتوثيق والتضعيف ، بل حلّت الرسوم والتقاليد الجديدة محلّ الرسوم القديمة ، وانحصرت المحفوظات في شئ من الفضائل والمواعظ وشئ من مصائب الأئمّة المعصومين ( عليهم السلام ) وما يُنسَب إليهم دونما اعتناء بالزيادة والنقصان ، وأمّا أخبار الأحكام المنقولة في كتب الفقهاء العظام ، فغائبة عن الأوساط وموكولة إلى عهدة الفقيه ، مع أنّ فهمها وروايتها لا يختلف كثيراً عن سائر الأخبار وهي صادرة من عين واحدة . نعم في موارد الإختلاف على الفقيه استنباط المعنى من بين الخبَرين واختيار أحدهما بملكته القاهرة وفق الأخبار العلاجيّة الواردة . فالمحدّث الجامع الكامل هو من يعرف الحديث ويروي ما صدر عن المعصوم ، ويميّز - ما استطاع - بين الصحيح والسقيم . أو هو مَن إذا راجع فهم وعلم وأفهم وعلّم . وعلى أيّ حال ، فمنذ بداية التأليف في الحديث وشروع الحفظ والتقييد بالكتابة والرواية والنقل وبثّ الأخبار ونشر الحديث كان هناك شرط كلّيّ عامّ ، وهو العلم بالصحّة والاحتراز عن الزيادة والنقصان والتحريف والتصحيف .