وحكم العقل والنقل يقتضي أنّ الإحسان للنفس ألزم وأهم من الإحسان لنفوس الآخرين ، وقد ورد في الحديث القدسيّ : « يا أيّها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون ، ولِمَ تنهون بما لا تنتهون ، ولمَ تأمرون بما لا تعلمون ، ولم تجمعون ما لا تأكلون ، والتوبة يوماً بعد يوم تؤخّرون ، وعاماً بعد عام تنظرون . . . الخ » . وأنت تعلم أنّ أحسن المواعظ هي كلام الملك العلاّم ، والله أحسن الوعاظ وخير الواعظين بمفاد قوله ( يَعِظُكم الله ) [1] وكان الأنبياء والأوصياء - وهم لسان الحق وتَرجُمانه - يشتغلون في ميدان الوعد والوعيد والتحذير والتهديد والإنذار والتبشير . ثمّ يكفيكم من العِظة ذكر الموت ويكفيكم من التفكّر ذِكر الآخرة ، و « كفى بالموت واعظاً » [2] . نعم ; فرق بين العالم والجاهل ، وللواعظ امتيازات على المتعظ . فغاية الوقاحة وقلّة الحياء أن يقول الواعظ قولاً عن الله ثمّ لا يعمل به مع شمول التكليف له ، قال الله تعالى : « يا عيسى عِظ نفسك [ بحكمتي ] فإن اتّعظتَ فعظ الناس ، وإلاّ فاستحي منّي » [3] . عجباً وأيّ عجب ممّن يغط في نوم الغفلة ولم ينتفع طول عمره باليقظة ثمّ يريد أن يوقظ النائمين ، ومتى يوقظ النائم النائم ؟ !
[1] النور : 17 . وفي الأصل : « والله يعظكم » . [2] أمالي المفيد 264 ; شرح نهج البلاغة 6 / 69 ; مصباح الشريعة 113 . [3] كنز العمّال 15 / 795 ح 43156 .