فتبادروا إليها لمعرفتهم بمكانة حنة وزوجها الذي كان صاحب قربانهم ، وحاول كلّ منهم أن ينال هذا الشرف ويباهي بهذا الفخر ، فتخاصموا بينهم ورضوا بالقرعة ، فأخرجوا أقلامهم التي كانوا يكتبون التوراة بها وكتبوا عليها أسماءهم وألقوها في الماء ، فمن طفا قلمه على الماء فهي نصيبه ، فألقوا أقلامهم في نهر الأردن [1] دفعة واحدة فخرج قلم زكريا وانتهت الخصومة واعتذر الخدم والأحبار من زكريا . فلمّا كفلها زكريا ضمّها إلى أهله حنانة أو ايشاع ، وهي خالة مريم على الرواية المشهورة - أي أخت حنة - وهو معنى قوله تعالى ( وما كنت لديهم إذ يُلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ) [2] فجعلتها ايشاع وزوجها الذي كفلها في غرفة في بيت المقدس حتّى نشأت وبلغت تسع سنين . قال تعالى : ( كلّما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب ) [3] المحراب هو المكان العالي أو الغرفة أو المسجد وكان يسمّى يومها بالمحراب ، ويطلق في هذا الزمان على المصلّى وهو المكان الذي تقام فيه الصلاة ، وسمّي بالمحراب لأنّ المصلّي يحارب فيه أهواءه ويحارب الشيطان في أوقات أداء الفريضة . وقال الشيخ الجليل الصدوق محمد بن بابويه في مقارنته بين مريم وفاطمة الزهراء ( عليها السلام ) : قال الله تعالى : ( وكفّلها زكريّا ) [4] وكفّل فاطمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،
[1] كما روى الثعلبي والسيوطي . [2] آل عمران : 44 . [3] آل عمران : 37 . [4] آل عمران : 37 .