لمّا كان المركوز في الأذهان في ذاك الزمان أنّ مريم أفضل من هذه الجهة ، فقد أجاب عنه النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في هذا الحديث تلويحاً حيث قال : إنّ سبب فضيلة مريم في ولادتها كان موجوداً في ولادة فاطمة ( عليها السلام ) أيضاً ، والفيض النازل عليها من روح القدس نازل على فاطمة ( عليها السلام ) أيضاً في تلك التفّاحة وفي ما أفاضه عليها الروح الأمين . فالمراد من الحديث بيان الواقع والمماثلة من هذه الجهة بين فاطمة ومريم ( عليها السلام ) ممّا لم تسبق إليه الأذهان . فتكون فاطمة كمريم تماماً ، ويدلّ عليه الحديث السابق ( حديث العرق والزغب ) . وقيل : « إلاّ » في الحديث بمعنى « حتّى » - كما في مجمع البيان - فمراد النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بيان أفضليّة فاطمة على نساء الأمّة وتماثلها مع مريم ( عليها السلام ) في إفاضة حياة روح القدس ، فما ثبت لمريم ثبت لفاطمة ( عليها السلام ) ، ولا امتياز حينئذ لمريم على الصدّيقة الكبرى ( عليها السلام ) ، بل هو - في الحقيقة - اثبات لمزيّة فاطمة ( عليها السلام ) وأفضليّتها على مريم ( عليها السلام ) . نعم ; يبقى فرق وهو أنّ ما جادت به مريم كان من عالم الأمر وما اختصّت به فاطمة كان من عالم الخلق ، والنطفة العيسويّة كانت نفحة الحقّ من الروح الرحمانيّ كما قال الله تعالى ( فنفخنا فيه من روحنا ) [1] ، والنطفة الفاطميّة المباركة من عالم الأنوار ، وقالبها الجسمانيّ من مواد أشجار دار القرار ، وهو في الحقيقة يعود أيضاً إلى عالم الأمر .