فقد وصف الله سبحانه عيسى ( عليه السلام ) في القرآن الكريم بصفة العبوديّة ، وأجرى ذلك على لسانه حيث قال ( عليه السلام ) : ( إنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً ) [1] ، وكذلك وصف مريم بالعبوديّة وخاطبها بهذه السمة ، ليعلم النصارى أنّ تلك المستورة العظمى كباقي النساء أمة من إماء الله وابنها عبد من عبيده ، ونسبتهما إلى الله ذي المنن نسبة العبوديّة لا نسبة البنوّة ولا الزوجيّة ، وهذا لا يعني أنّ الله حقّر مريم في القرآن ، بل ذكرها وصرّح باسمها وأمرها بالطاعة والعبادة تعظيماً لها . والغرض من تكرار اسمها والتأكيد عليها بالامتثال والإطاعة لإثبات العبودية والإئتمار ; ليعلم النصارى أنّ مريم امتازت في العبادة ولم تتميّز في العبودية ، وإنّما هي من عبيد الله ، ولا نسبة بينها وبين الساحة المقدّسة لحضرة ملك الملوك وربّ الأرباب ، خلافاً لما توهّمه النصارى حينما جعلوها أقنوناً من الأقانيم الثلاثة ، حتّى عرف بعضهم ب « المريميّة » ، ولا تزال بقايا منهم في المغرب إلى يومنا هذا . الوجه الثاني : قال السهيلي في تعريف الأعلام من كتاب « أسئلة الحكم » : إنّ السبب في تكرار اسم مريم في القرآن الكريم أنّ الله أكرم مريم بكرامات باهرة وآيات زاهرة ، ونزّهها من النقائص والكدورات النسويّة ، وهذّبها وقبلها قبول الذكر المحرّر ، وجعلها في عداد الأنبياء العظام ، وخاطبها خطابات صريحة مباشرة ; ليعلم أنّ القدرة الربّانيّة الكاملة يمكن أن تجعل المرأة في عداد الأنبياء بعد رفع الموانع وطهارة الذيل وكثرة التقوى وشدّة الإيمان ، فتكون مثل إبراهيم وعيسى وموسى