الدنيا آخرة ، وإنّ لكلّ شيء حسيبا ، وعلى كلّ شيء رقيبا ، وإنّ لكلّ حسنة ثوابا ، ولكلّ سيّئة عقابا ، ولكلّ أجل كتابا ، وأنّه لا بدّ لك يا قيس من قرين يدفن معك ، وهو حيّ وتدفن معه وأنت ميّت ، فإن كان كريما أكرمك ، وإن كان لئيما أسلمك ، ثم لا يحشر إلا معك ولا تبعث إلا معه ، ولا تسأل إلا عنه ، ولا تجعله إلا صالحا ، فإنه إن صلح آنست به ، وإن فسد لا تستوحش إلا منه وهو فعلك . فقلت : يا نبيّ الله أحبّ أن يكون هذا الكلام في أبيات من شعر ، نفخر به على من يلقانا من العرب ، وندخره فأمر النبيّ صلَّى الله عليه وآله من يأتيه بحسان قال : فأقبلت أفكر فيما أشبه هذه العظة من الشعر فاستتب [1] لي ، " وفي نسخة : فاستبان لي " القول قبل مجيء حسان فقلت : يا رسول الله قد حضرتني أبيات أحسبها توافق ما تريد ، فقال النبيّ صلَّى الله عليه وآله : قل يا قيس ، فقلت : < شعر > تخيّر قرينا من فعالك إنما قرين الفتى في القبر ما كان يفعل ولا بدّ بعد الموت من أن تعده ليوم ينادى المرء فيه فيقبل فإن كنت مشغولا بشيء فلا تكن بغير الذي يرضى به الله تشغل فلن يصحب الإنسان من بعد موته ومن قبله إلا الذي كان يعمل ألا إنما الإنسان ضيف لأهله يقيم قليلا بينهم ثمّ يرحل [2] < / شعر > إذا علمت هذا فاعلم : أنّ الإنسان بذاته طالب للكمال والكامل كما تقدم ، ومعلوم أنّ الكمال الأتمّ والتمام بل وفوق التمام هو الواجب تعالى والحق الأول ، فكلّ موجود يطلبه بغريزة شوقه ، فكلّ يشتاق إليه ويعشقه ، بل إنّ لكلّ من الموجودات عشقا وشوقا إليه تعالى إراديّا كان أو طبيعيا ، ولذا قيل بسريان العشق في جميع الموجودات على تفاوت طبقاتها ، وأثبتوا لكلّ منها شعورا وعلما
[1] استتب الأمر : استقام واطَّرد واستمرّ . . [2] انظر معاني الأخبار ص 231 . .