وربما يقال بشمول الرحمة الواسعة للكافر في الآخرة أيضا بلحاظ تخفيف العذاب عنه ، لأجل ما صدر منه بعض الأفعال الحسنة بالنسبة إلى المؤمنين في الدنيا ، وحينئذ صحّ قوله عليه السّلام : " يا رحمن الدنيا والآخرة " بلحاظ الكافر أيضا كما علمت معنى ورحيمهما بلحاظ المؤمن في الدنيا أيضا . وأما الثاني أعني القوس الصعودي للخلق ، وسيره إلى النشأة الآخرة وإلى الحقّ جلّ جلاله . وبعبارة أخرى : سيره إلى القرب منه تعالى فهي رحمة مجازاتية ، التي أشير إليها في قوله تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره 99 : 7 [1] وقوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى . وأن سعيه سوف يرى . ثم يجزاه الجزاء الأوفى 53 : 39 - 41 [2] وهي متفاوتة على درجات السعداء ، إذ هي مختصة بهم ، نعم في الآخرة كما دلّ على ذلك به الحديث المتقدم من قوله : " رحيم بالمؤمنين خاصة " وإذ علمت أن الرحمة الرحمانية أيضا تكون لغير المؤمن في الآخرة لقوله عليه السّلام يا رحمن الدنيا والآخرة ، فإن الرحمة في الآخرة للمؤمن هي الرحمة ، الرحيمية فتحقق الرحمة الرحمانية في الآخرة لا محالة تكون لغير المؤمن ، وهذا إنما يتصور بالنسبة إلى تخفيف العذاب لهم أو لأمر آخر ، والله العالم والحمد لله ربّ العالمين . الأمر الثالث : في بيان كونهم معدن الرحمة والوجه فيه فنقول : لا ريب في أن كونهم معدن الرحمة يلازم أن لا رحمة عامة ولا خاصة لأحد من الخلق إلا أنه تنزل عليهم بسببهم حتى الأمطار والأرزاق كما تقدمت الإشارة إليه . ودلّ عليه : " لولاك لما خلقت الأفلاك " فالموجودات بما لها من القوابل المتفاوتة يقبل الرحمة بسببهم ، ولولاهم عليهم السّلام لساخت الأرض بأهلها .