والثانية قد تكون عطائية كالولاية الثابتة للأنبياء والأئمة عليهم السّلام ، وأخرى تكون كسبيّة كالثابتة للأولياء المقتفين آثارهم . أما الأولى الذّاتية ، ففي توحيد الصدوق ، بإسناده عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن قول الله عزّ وجلّ : الرحمن على العرش استوى 20 : 5 فقال : " استوى من كلّ شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء " لم يبعد منه بعيد ، ولم يقرب منه قريب ، استوى من كل شيء [1] . فقربه تعالى بالنسبة إلى كلّ شيء على نسق واحد ، وهو تعالى قريب بها بل لا أقرب منه بها ، فهو مع كلّ شيء بالمعيّة القيوميّة ، لا بمقارنة . وليعلم أنّ القرب لمّا كان أمرا إضافيّا نسبيّا ، والنسبة دائما بين شيئين ، فالحقّ المتعال - جلّ شأنه - قريب من الأشياء ، والأشياء قريبة منه تعالى ، ولكنّ قربه تعالى إلى الأشياء إضافة إشراقيّة محصّلة للمضاف إليه ، نظير إشراق الشمس الموجب لوجود النور في مقابلها ، لا إضافة مقوليّة متوقفة على وجود الطرفين ، ويسمّى هذا القرب بقرب الخلاقية له تعالى ، والمخلوقيّة للأشياء ، وليس بين الخالق والمخلوق شيء . ونعم ما قيل من أنّه لو ذهبت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ، ما دلَّتك الدلالة العقليّة والنقليّة من الآيات وغيرها إلا على أنّ خالق النملة هو فاطر النخلة ، وانّه تعالى استوى مع كل شيء جليلا كان أم حقيرا ، عظيما كان أم صغيرا ، وهذا القرب والولاية الإلهيّة الثابتة له تعالى بالنسبة إلى جميع الأشياء ليس مناط صحة إطلاق الولاية على أحد من الخلق ، بدعوى أنّ قربه إلى عبده يستلزم قرب عبده إليه ، وهذا ملاك الولاية ، فإنّها مندفعة لما عرفت أنّ هذا القرب من آثار ألوهيّته وخلاقيّته ، ومن لوازم وجوده البحت غير المحدود ، المستلزم لقهّاريّته ومالكيّته كما حقق في محله .