وهذا بخلاف من كانت كمالاته الممكنة له موجودة معه بالفعل ، ولم تكن فيه القوّة ، بل كلَّها موجودة بالفعل كالعقول الفعّالة فلا تزداد نوريّته ولا تشتدّ ، ولا يتجاوز مرتبته في العلم كما قال تعالى في حقّهم : وما منّا إلا له مقام معلوم 37 : 164 [1] . واعلم أنه إنّ كان الكمال والنور بحيث لا يمكن أكمل منه ولا أنور كان جميع الأشياء واقعة في نوره ، بل يكون نوره نافذا في الكلّ متصرّفا فيها محيطا بها أزلا وأبدا ، كالواجب تعالى ، قال عليه السّلام : " نور كلَّه ، نور لا ظلمة فيه " فلا محالة لا أنور منه ، فلا محالة يكون كما قال تعالى في حقّه : لا يعزُبُ عنه مثقال ذرّة في السماوات ولا في الأرض 34 : 3 [2] . وهاهنا أسرار لا يجوز التعبير عنها لعزّتها وشرفها ، يتفطَّن لبعضها من وفّق لها من أهلها . واعلم وتفطَّن بحقيقة عقلك أنّ العقل نور الله ، ولا يهتدي إلى النور غير النور ، ولا يظهر صور فردانيّته إلا في مرآة فردانية النفس مرآة لله . وبعبارة أخرى : لا تظهر صور الفرد الأحد من حقايق أسمائه إلا في النفس الفردانية التي صارت مرآة الله ، ومرآة الله لا تشبهها مرآة الأجسام . ونعم ما قيل : " إذا وضعت على سواد عينك جزءا من الدنيا لا ترى شيئا ، وإذا وضعت على سويداء قلبك كلّ الدنيا كيف ترى بقلبك شيئا ؟ " مثنوي : < شعر > گر چه موئى بد گنه كو جسته بود ليك آن مو در دو ديده رسته بود بود آدم ديدهء نور قديم موى در ديده بود كوهى عظيم < / شعر > واعلم أن العبد إذا اتصل علمه بعلم ربّه فناه فيه ، ويكون إدراكه حينئذ للأشياء بنور الحقّ وبعلمه لا بعلم العبد ، فالعبد حينئذ مظهر لعلمه تعالى لا عالم بعلمه تعالى ، وهذا العلم فوق علوم الملائكة والثقلين ، لأنّ علومهم إمّا كسبيّة وإما