وطيب المذاق ، كما هو المرائي منهم ، بل غاية ما يستفاد منها أنّها مما تعدّ السالك لسلوك سبيل المعرفة والوصول إلى الأسرار ، إن كان مقتديا بطريق الأبرار ، متّصفا بصفات الأخيار . وليعلم أنّ معرفة الله وعلم المعاد ، وعلم طريق الآخرة وفقه الأنوار ليس المراد منها مجرد الاعتقاد الذي يتلقّاه العامي [1] أو الفقيه وراثة وتلفّقا [2] فإن المشغوف بالتقليد والجامد على الصورة لن ينفتح له طريق الحقائق كما ينفتح للكرام الإلهيّين ، ولا يتمثل له ما ينكشف للعارفين المستصغرين بعالم الصورة ، من معرفة الخلائق وحقيقة الحقائق . واعلم أنّ الآيات القرآنية وأحاديث أهل بيت العصمة والطهارة مطبقة على الأمر بالتفكر في الآيات الإلهية ، والآيات الآفاقيّة والأنفسيّة . فينبغي للسالك الطالب أن يسير بفكره فيها ليتبصّر في المعارف الإلهية . ولعمري أنه بهذه الأفكار ينفتح باب المشاهدة وطريق المكاشفة ، وبهما يفرّق بين العلماء الظاهرين والعلماء الربانيين ، وهذه عقبة قلّ من اقتحمها من العلماء ، فوقف كثير منهم دونها ، ولم يصلوا إلى باب المشاهدة والمكاشفة ، لتركهم السير الفكري . ولعمري إنّ شرّ الأزمنة زمان انسدّت فيه هذه الأبواب . واعلم أنّ العالم ناقص في كماله إلا إذا انفتح في قلبه هذا الباب ، فكما أنّ العالم إذا لم يكن له قوّة بحثية فلا محالة يكون ناقصا في العلم ، فكذلك الباحث السالك الطالب إذا لم تكن له مشاهدة ومكاشفة من آيات الحقّ ومن أبواب الملكوت ، يكون ناقصا غير معتبر في المعارف الإلهية ، ولا مستنطق من القدس بنطق إلهيّ وإلهام ربوبي ووارد قلبي . واعلم أنه إذا مات الإنسان لم يبق له إلا ما كاشفه وشاهده بقلبه ، بحيث صارت
[1] العامّي : الذي لا يبصر طريقه . . [2] تلفّق الشيء : تناوله بسرعة تلفّق ما بينهم : تلاءم . .