سباع القوى النفسانيّة وصفاتها . ثمّ لا يزال يتدرّج في الاستكمال من حال إلى حال ويترقّى من نشأة إلى نشأة ، حتى طوى مراتب العقول الساذجة والاستعدادية والفعليّة ، وهلَّم ، هكذا إلى أن وصل إلى درجة العقل المستفاد المستضيء في المعاد ، فصعد إلى ذروة الكمال بعد أن هبط منها ، فأدرك الكلَّيات الروحانيّة والجزئيّات الجسمانيّة . أمّا الكلَّيات فبذاته المنوّرة بنور ربّها . وأما الجزئيّات فبقواه الحاصلة في مطيّة تصرّفاته ومعسكر قواه . وهو ما لطف من بدنه ونقى من جسده ، أعني روحه البخاري المشابه - للسبع الشداد - الخالي عن الأضداد في اعتداله ولطافته وصفائه وصقالته . فبالمرآتين ، أعني مرآة ذاته ومرآة جسمه يدرك العالمين ، ويطلَّع على ما في إقليمين ، ويدرك المغيبات من الأمور الماضية والآتية . ثمّ يترقّى بذاته بعد طرح الكونين وخلع النعلين ، ونفي الخواطر المتعلَّقة بغير الله والفناء عمّا سواه ، راجعا إلى الحقّ بالكلَّية فتضمحل الكثرة في شهوده ، ويحتجب التفصيل عن وجوده ، متحققا بمقام الجمع ، منخرطا في سلك الملائكة المقرّبين بل من صنف الأعالي المهيمنين . ثمّ مع ذلك لا يقف في مقام واحد ، ولا يبجس [1] في مشاهدة الوحدة الصرفة من غير مشاهدة الآلاء الإلهيّة والرّشحات القيّوميّة ، بل يرجع إلى الصحو بعد المحو ناظرا بعين الجمع إلى التفصيل ، متوسّطا بين التشبيه والتعطيل ، فلا تعطيل له تعالى ولا تشبيه في عين التنزيه الموهم للتعطيل ، والتشبيه الموهم للتحديد ، فيكون محققا بحقيقة مظهريّة ما قاله الصادق عليه السّلام حين سئل عن التوحيد فقال : هو عزّ وجل مثبت موجود لا مبطل ولا معدود . وفي التوحيد عن محمد بن عيسى عمّن ذكره قال : سئل أبو جعفر عليه السّلام أيجوز أن يقال : إنّ الله عزّ وجل شيء ؟ قال : " نعم يخرجه عن الحدّين حدّ التعطيل وحدّ