مشاهداته عين ذاته واتصلت حقيقته بالعقل الفعّال والأنوار القاهرة ، كما حقق في محلَّه من اتّحاد العاقل بالمعقول ، وأما ساير العلوم التصورية والتصديقية فإنها منطمسة في الجدليّات ومقالات المبتدئين . الإنسان العارف : ومما ذكر يعلم أنّ قدر الإنسان في الآخرة على قدر ما كاشفه وشاهده من الحقائق والعلوم الإلهية . قال بعضهم : فالحكيم يحشر مع المدبّرات العلويّة ، والتألَّه مع الأنوار القاهرة ، والفاني عن غيره تعالى يضمحلّ في نور الأنوار وأمّا الجدلي المقتصر على العلوم الجدلية والصور ، يحشر مع السباع ، لأنّ حقيقة علمه هو ظهور الغضب والتسلَّط وهو حقيقة السبع ، وتقدم ما يدلّ على أنّه يحشر الناس على نيّاتهم وأوصافهم ، وما صار حقيقة ذاتهم من الأخلاق والعلوم والحقائق ، كما لا يخفى . واعلم أنّ الحكيم يراد منه المبرهن الباحث من دون أن يصل إلى مقام التألَّه ، وأمّا المتألَّه فيراد منه من سلك في المعارف سبيل الإشراق أي اعتقد أنّ جميع المجردات الإلهية والعقلية والنفسية من حقيقة النور ، ويعتقد أنّ حقيقة النور حقيقة بسيطة لا جنس لها ولا فصل ولا حدّ ولا رسم ، لأنّها ظاهرة بنفسها وبذاتها ومظهرة لغيرها ، فلا محالة ما كان هذا شأنه لا يمكن تعريفه وإظهاره بما هو غيره أي غير النور ، فكيف يمكن تعريف النور بغير النور ، وهل هو إلا تعريف الظاهر بنفسه بالخفي ؟ بل لا يكون تعريفه إلا تحصيلا للحاصل إذ المعرف للنور لا بدّ من أن يكون من النور ، فتعريف النور بالنور تحصيل للحاصل كما لا يخفى . ومما يعتقده المتألَّه أنّ التفاوت بين جميع الأنوار القاهرة والمدبّرة ، بل المحسوسة أيضا ليس بأمر ذاتي أو عرضيّ ، بل التفاوت بينهما إنما هو بالكمال والنقص والشدة