قلوبكم قاسية [1] ، فأنتم لا تعقلون ، وكأن أبصاركم كمه ، فأنتم لا تبصرون ، لله أنتم ، ما أنتم إلا أسود رواعة [2] ، وثعالب رواغة عند الناس [3] ، تكادون ولا تكيدون ، وتنتقص أطرافكم فلا تحاشون ، وأنتم في غفلة ساهون ، إن أخا الحرب اليقظان . أما بعد : فإن لي عليكم حقا ، ولكم علي حق ، أما حقكم علي : فالنصيحة في ذات الله ، وتوفير فيئكم عليكم ، وتعليمكم كيلا تجهلوا ، وتأديبكم كيما تعلموا ، وأما حقي عليكم : فالوفاء بالبيعة ، والنصح لي في الإجابة حين أدعوكم ، والطاعة حين آمركم ، فإن يرد الله بكم خيرا تنزعوا عما أكره ، وترجعوا إلى ما أحب ، تنالوا بذلك ما تحبون ، وتدركوا ما تأملون . أيها الناس المجتمعة أبدانهم ، المختلفة أهواؤهم [4] ، ما عزت دعوة من دعاكم ، ولا استراح قلب من قاساكم ، كلامكم يوهي الصم [5] ، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم ، إذا أمرتكم بالمسير قلتم كيت وكيت ، أعاليل بأضاليل ، هيهات ، لا يدرك الحق إلا بالجد والصبر ، أي دار بعد داركم تمنعون ؟ ومع أي إمام بعدي تقاتلون ؟ المغرور والله من غررتموه ، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب [6] ، أصبحت لا أطمع في نصرتكم ، ولا أصدق قولكم ، فرق الله بيني وبينكم ، وأعقبني بكم من هو خير لي ، وأعقبكم بعدي من هو شر لكم مني ، أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا . وسيفا قاتلا . وأثرة يتخذها الظالمون بعدي عليكم سنة . تفرق جماعتكم . وتبكي عيونكم . وتدخل الفقر بيوتكم . تمنون والله عندها أن لو رأيتموني ونصرتموني . وستعرفون ما أقول لكم عما قليل . استنفرتكم فلم تنفروا . ونصحت لكم فلم تقبلوا ، وأسمعتكم فلم تعوا ، فأنتم شهود كأغياب ، وصم ذوو أسماع ، أتلو عليكم الحكمة ، وأعظكم بالموعظة النافعة ، وأحثكم على جهاد المحلين ، الظلمة الباغين ، فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين ، إذا تركتكم عدتم إلى مجالسكم حلقا عزين ، تضربون الأمثال ،
[1] في الطبري وابن الأثير : وكان قلوبكم مألوسة . [2] في الطبري : أسود الشرى في الدعة . [3] في الطبري وابن الأثير : ثعالب رواغة حين تدعون إلى البأس . [4] أهواؤهم آراؤهم وما تميل إليه قلوبهم ( النهج - شرح محمد عبده ) . [5] الصم الشديدة الصلبة . [6] السهم الأخيب : أي من فاز وظفر بكم وكنتم نصيبه فقد ظفر بالسهم الأخيب وهو من سهام البسر الذي لاحظ له .