وأنت تعلم من هما ، وما هما ، فاتق الله يا معاوية ، وأنت الحاكم بيننا وبين نفسك ، ثم سكت . ما تكلم به عبد الله بن عمر فتكلم عبد الله بن عمر ، فقال : الحمد لله الذي أكرمنا بدينه ، وشرفنا بنبيه صلى الله عليه وسلم أما بعد : فإن هذه الخلافة ليست [1] بهرقلية ، ولا قيصرية ولا كسروية [2] يتوارثها الأبناء عن الآباء ولو كان كذلك كنت القائم بها بعد أبي ، فوالله ما أدخلني مع الستة من أصحاب الشورى إلا على أن الخلافة ليست شرطا مشروطا ، وإنما هي في قريش خاصة ، لمن كان لها أهلا ممن ارتضاه المسلمون لأنفسهم ، من كان أتقى وأرضى ، فإن كنت تريد الفتيان من قريش ، فلعمري إن يزيد من فتيانها ، واعلم أنه لا يغني عنك من الله شيئا . ما تكلم به معاوية فتكلم معاوية فقال : قد قلت وقلتم ، وإنه ذهبت الآباء ، وبقيت الأبناء ، فابني أحب إلي من أبنائهم ، مع أن ابني إن قاولتموه وجد مقالا ، وإنما كان هذا الأمر لبني عبد مناف ، لأنهم أهل رسول الله ، فلما مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولي الناس أبا بكر وعمر من غير معدن الملك ولا الخلافة ، غير أنهما سارا بسيرة جميلة ، ثم رجع الملك إلى بني عبد مناف ، فلا يزال فيهم إلى يوم القيامة ، وقد أخرجك الله يا بن الزبير ، وأنت يا بن عمر منها ، فأما ابنا عمي هذان فليسا بخارجين من الرأي إن شاء الله . ثم أمر بالرحلة ، وأعرض عن ذكر البيعة ليزيد ، ولم يقطع عنهم شيئا من صلاتهم وأعطياتهم : ثم انصرف راجعا إلى الشام ، وسكت عن البيعة ، فلم يعرض لها إلى سنة إحدى وخمسين . موت الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : فلما كانت سنة إحدى وخمسين ، مرض الحسن بن علي مرضه الذي مات فيه ، فكتب عامل المدينة إلى معاوية يخبره بشكاية الحسن ، فكتب إليه معاوية : إن استطعت ألا يمضي يوم يمر بي إلا يأتيني فيه خبره فافعل ، فلم يزل يكتب إليه بحاله حتى توفي . فكتب إليه بذلك ، فلما أتاه الخبر أظهر فرحا وسرورا ، حتى سجد وسجد من كان معه ، فبلغ ذلك عبد الله بن عباس ،
[1] ليست بهرقلية : أي ليست ملكية تورث كما يورث الملوك أبناءهم ملكهم ، وهرقل كان ملك مصر من قبل الروم . [2] قيصرية نسبة إلى قيصر ملك الروم ، وكسروية نسبة إلى كسرى ملك الفرس .