على شيعتي ، فقتلوا طائفة منهم غدرا ، وطائفة صبرا ، وطائفة عصرا بأسيافهم ، فضاربوهم حتى لقوا الله صابرين محتسبين ، فوالله لو لم يصيبوا منهم إلا رجلا واحدا متعمدين لقتله ، لحل لي بذلك قتل الجيش كله ، مع أنهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا عليهم بها ، فقد أدال الله منهم ، فبعدا للقوم الظالمين . ثم إني نظرت بعد ذلك في أهل الشام ، فإذا هم أعراب وأحزاب وأهل طمع ، جفاة طغام [1] ، تجمعوا من كل أوب ، ممن ينبغي أن يؤدب ، ويولي عليه ، ويؤخذ على يديه ، ليسوا من المهاجرين والأنصار ، ولا من التابعين بإحسان ، فسرت إليهم ، ودعوتهم إلى الجماعة والطاعة ، فأبوا إلا شقاقا ونفاقا ، ونهضوا في وجوه المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان ، ينضحونهم بالنبل ، ويشجونهم بالرماح ، فهنالك نهضت إليهم فقاتلتهم ، فلما عضهم السلاح ، ووجدوا ألم الجراح ، رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها ، فنبأتكم أنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، وإنما رفعوها إليكم خديعة ومكيدة ، فامضوا على قتالهم ، فاتهمتوني ، وقلتم : اقبل منهم ، فإنهم إن أجابوا إلى ما في الكتاب والسنة جامعونا على ما نحن عليه من الحق ، وإن أبوا كان أعظم لحجتنا عليهم ، فقبلت منهم ، وخففت عنهم ، وكان صلحا بينكم وبينهم على رجلين حكمين ، يحييان ما أحيا القرآن ، ويميتان ما أمات القرآن ، فاختلف رأيهما ، وتفرق حكمهما ، ونبذا حكم القرآن ، وخالفا ما في الكتاب ، واتبعا هواهما بغير هدى من الله ، فجنبهما الله السداد وأهوى بهما في غمرة الضلال ، وكانا أهل ذلك ، فانخذلت عنا فرقة منهم ، فتركناهم ما تركونا ، حتى إذا عاثوا في الأرض مفسدين ، وقتلوا المؤمنين ، أتيناهم فقلنا لهم : ادفعوا إلينا قتلة إخواننا ، فقالوا : كلنا قتلهم ، وكلنا استحللنا دماءهم ودماءكم ، وشدت علينا خيلهم ورجالهم ، فصرعهم الله مصارع القوم الظالمين . ثم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوكم ، فإنه أفزع لقلوبهم ، وأنهك لمكرهم ، وأهتك لكيدهم ، فقلتم : كلت أذرعنا وسيوفنا ، ونفدت نبالنا ، ونصلت أسنة ( 1 ) رماحنا ، فأذن لنا ، فلنرجع حتى نستعد بأحسن عدتنا ، وإذا رجعت زدت في مقاتلتنا عدة من هلك منا ، ومن قد فارقنا ، فإن ذلك قوة منا على عدونا ، فأقبلتم حتى إذا أطللتم على الكوفة ، أمرتكم أن تلزموا معسكركم وتضموا قواصيكم ( 3 ) ، وتتوطنوا على الجهاد ، ولا تكثروا زيارة أولادكم ونسائكم فإن ذلك يرق قلوبكم ويلويكم ، وإن أصحاب الحرب لا يتوجدون ( 4 ) ، ولا يتوجعون ،
[1] الطغام : سفلة الناس . ( 2 ) نصلت أسنة رماحنا : خرجت من الرماح وأصبحت رماحنا بلا أسنة . ( 3 ) قواصيكم جمع قاصية وهي البعيدة أي تضموا ما بعد منكم . ( 4 ) يتوجدون : يشكون الوجد وهو الحب أي لا يشكون وجدهم وحبهم لأبنائهم وأهلهم .