فأنت أولنا إيمانا ، وآخرنا بنبي الله عهدا ، وهذه سيوفنا على أعناقنا ، وقلوبنا بين جوانحنا ، وقد أعطيناك بقيتنا ، وشرحت بالطاعة صدورنا ، ونفذت في جهاد عدوك بصيرتنا ، فأنت الوالي المطاع ، ونحن الرعية الأتباع ، أنت أعلمنا بربنا وأقربنا بنبينا ، وخيرنا في ديننا ، وأعظمنا حقا فينا ، فسدد رأيك نتبعك ، واستخر الله تعالى في أمرك ، وأعزم عليه برأيك ، فأنت الوالي المطاع ، قال : فسر علي كرم الله وجهه بقوله ، وأثنى خيرا . ثم قام صعصعة بن صوحان فقال : يا أمير المؤمنين ، إنا سبقنا الناس إليك يوم قدوم طلحة والزبير عليك ، فدعانا حكيم إلى نصرة عاملك عثمان بن حنيف فأجبناه ، فقاتل عدوك ، حتى أصيب في قوم من بني عبد قيس ، عبدوا الله حتى كانت أكفهم مثل أكف الإبل [1] ، وجباههم مثل ركب المعز [2] ، فأسر الحي وسلب القتيل ، فكنا أول قتيل وأسير ، ثم رأيت بلاءنا بصفين ، وقد كلت البصائر ، وذهب الصبر ، وبقي الحق موفورا ، وأنت بالغ بهذا حاجتك ، والأمر إليك ، ما أراك الله فمرنا به . ما قال المنذر بن الجارود ثم قام المنذر بن الجارود ، فقال يا أمير المؤمنين ، إني أرى أمرا لا يدين له الشام إلا بهلاك العراق ، ولا يدين له العراق إلا بهلاك الشام ، ولقد كنا نرى أن ما زادنا نقصهم ، وما نقصنا أضرهم ، فإذا في ذلك أمران ، فإن رأيت غيره ففينا والله ما يفل [3] به الحد ، ويرد به الكلب [4] ، وليس لنا معك إيراد ولا صدر [5] . ما قال الأحنف بن قيس ثم قام الأحنف بن قيس ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن الناس بين ماض وواقف ، وقائل وساكت ، وكل في موضعه حسن ، وإنه لو نكل الآخر عن الأول لم يقل شيئا ، إلا أن يقول اليوم ما قد قيل أمس ، ولكنه حق يقضى ، ولم نقاتل القوم لنا ولا لك ، إنما قاتلناهم لله ، فإن
[1] خشنة مثل أخفاف الإبل من كثرة العمل . [2] المراد بمثل ركب المعز : أن بها أثرا ظاهرا من كثرة السجود . [3] يفل : يوقف ويصير غير قاطع . [4] الكلب يرده الزجر والضرب . [5] حل ولا عقد ، أي ليس لنا معك رأي بل الرأي هو رأيك .