خطبة علي كرم الله وجهه قال : وذكروا أن عليا قام خطيبا فقال : أيها الناس ، ألا إن هذا القدر ينزل من السماء كقطر المطر ، على كل نفس بما كسبت من زيادة أو نقصان ، في أهل أو مال ، فمن أصابه نقصان في أهل أو مال فلا يغش نفسه ، ألا وإنما المال حرث الدنيا ، والعمل الصالح حرث الآخرة ، وقد يجمعهما الله لأقوام ، وقد دخل في هذا العسكر طمع من معاوية ، فضعوا عنكم هم الدنيا بفراقها ، وشدة ما اشتد منها ، برجاء ما بعدها ، فإن نازعتكم أنفسكم إلى غير ذلك فردوها إلى الصبر ، ووطنوها على العزاء ، فوالله إن أرجى ما أرجوه الرزق من الله ، حيث لا نحتسب ، وقد فارقكم مصقلة بن هبيرة ، فآثر الدنيا على الآخرة ، وفارقكم بشر بن أرطاة فأصبح ثقيل الظهر من الدماء ، مفتضح البطن من المال ، وفارقكم زيد بن عدي بن حاتم ، فأصبح يسأل الرجعة . وأيم الله لودت رجال مع معاوية أنهم معي ، فباعوا الدنيا بالآخرة ، ولودت رجال معي أنهم مع معاوية ، فباعوا الآخرة بالدنيا . قدوم ابن أبي محجن على معاوية قال : وذكروا أن عبد الله بن أبي محجن الثقفي قدم على معاوية . فقال : يا أمير المؤمنين ، إني أتيتك من عند الغبي الجبان البخيل ابن أبي طالب . فقال معاوية : لله أنت ! أتدري ما قلت ؟ أما قولك الغبي ، فوالله لو أن ألسن الناس جمعت فجعلت لسانا واحدا لكفاها لسان علي ، وأما قولك إنه جبان ، فثكلتك أمك ، هل رأيت أحدا قط بارزه إلا قتله ؟ وأما قولك إنه بخيل ، فوالله لو كان له بيتان أحدهما من تبر والآخر من تبن ، لأنفد تبره قبل تبنه . فقال الثقفي : فعلام تقاتله إذا ؟ قال : على دم عثمان ، وعلى هذا الخاتم ، الذي من جعله في يده جادت طينته ، وأطعم عياله ، وادخر لأهله . فضحك الثقفي ثم لحق بعلي ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هب لي يدي بجرمي ، لا دنيا أصبت ولا آخرة . فضحك علي ، ثم قال : أنت منها على رأس أمرك ، وإنما يأخذ الله العباد بأحد الأمرين . رفع أهل الشام المصاحف قال : وذكروا أن أهل العسكرين باتوا بشدة من الألم ، ونادى علي أصحابه ، فأصبحوا على راياتهم ومصافهم ، فلما رآهم معاوية وقد برزوا للقتال ، قال لعمرو بن العاص : يا عمرو ، ألم تزعم أنك ما وقعت في أمر قط إلا خرجت منه ؟ قال : بلى ، قال : أفلا تخرج مما ترى ؟ قال : والله لأدعونهم إن شئت إلى أمر أفرق به جمعهم ، ويزداد جمعك إليك اجتماعا ، إن أعطوكه اختلفوا ، وإن منعوكه اختلفوا . قال معاوية : وما ذلك ؟ قال عمروا : تأمر بالمصاحف فترفع ثم تدعوهم إلى ما فيها ، فوالله لئن قبله لتفترقن عنه جماعته ، ولئن رده ليكفرنه أصحابه . فدعا معاوية