بحاجته ويقصد اليه وهذه حقيقة يتولد منها الشوق والإرادة ، وهذه الواقعية يدركها العقل سواء العملي أو النظري بسهولة فلا حاجة إلى الاعتبار . وهنا قد يرد تساؤل حول ما يظهر من التناقض بين قولنا فيما سبق ان الإرادة دوما تنطلق من الحقائق - القضايا الحقيقية - وبين ما ذكرناه في الأسطر السابقة من انطلاق الفاعل الإرادي من القضايا الاعتبارية . وحل هذا الاشكال يتم بالتدقيق فيما بيناه من الحاجة إلى الاعتبار إذ انما يلجأ اليه العقل لجهة كشفه عن جهات الحسن والقبح في الفعل فهذا الاعتبار يساوق الحقيقة ، لأنه يكون كاشفا عن أمر واقعي ، وليس بما هو اعتبار محض ، ومن هنا لا يتبع الفاعل الإرادي أي معتبر كان بل يتحرى المعتبر المطّلع على جهات الحسن والقبح . وخير مثال على ذلك الاعتبار التشريعي الإلهي فيتبعه الإنسان لأنه صادر من عقل لا محدود ومن المحيط بكل شيء ، فهو كاشف عن الواقع والتكوين ، وهكذا الاعتبار في القانوني الوضعي لأنه يقتضي صدوره من الكُمّلين في مجتمع بشري ما فيتبعه لهذا الكشف أيضاً ، ومن ثَمّ ذكر أرسطو أنه لا يمكن ان يصدر التقنين إلا ممن يكون انسانا إلهيا . أما ما ذكر من الإثارة وهي التغير في التشريع وعدم الثبات فيمكن الجواب عنه بما يلي : 1 - ان الحسن والقبح واقعيان فأحكام العقل العملي ليست متغيرة وقد برهنا على ذلك . 2 - ان الاعتبار ليس أمرا اعتباطيا يقوم به كل أحد بل لأجل الكشف عن الواقع فيجب ان يتولاه من تكون له تلك القدرة ، وآية ذلك ان المقنن الوضعي لا يوكل كل من هب ودبّ بل يتخير من افراد المجتمع فئة خاصة تمتلك الخبرة والتجربة . 3 - هناك نظريتان مشهورتان أحدهما المسماة بنظرية التضاد أو الديالكتيكية ،