لها مدارج عديدة وعجيبة . * ثم أن هاهنا تحقيق دقيّ يزول به اللبس المتوهم في معنى الإذهاب ، وذلك بالإمعان في هذه النكتة العقلية وهي أن الرفع وإن عرف بأنه إزالة ما كان ، والدفع ممانعة الشئ عن الحصول منذ البدء إلا انه في الواقع يرجع الرفع في حقيقته إلى الدفع لأنه أيضا ممانعة من الوجود غاية الأمر بقاءا ، إذ أن وجود الشئ حدوثا لا يشفع في وجوده بقاءا بل هو محتاج إلى سبب ليفيض عليه وجوده أناً فآناً فمن ثم يتضح أن الرفع هو دفع ممانعة عن حصة الوجود اللاحقة لا أن ما هو موجود بالفعل يزال ويعدم في عين فرض وجوده ، فإن ذلك تناقض فإن العدم لا يصدق على نفس الوجود ، فمن ثم يتضح أن الرفع أو الاذهاب في حقيقته دفع وليس هناك رفع حقيقي ، نعم المصحح للتفرقة هو الوجود السابق ثم لحوق العدم أو العدم من الابتداء ، ولكن المصحح للتفرقة لا ينحصر بذلك بل يسوغه أيضا وجود القابلية في المحل ، إذ أن الممانعة التي في الدفع لا تصحح إلا بوجود الاقتضاء القابلي وإلا فلا معنى للممانعة « لولا التقى لكنت أدهى العرب » وهو ممانعة التكليف ، فالإذهاب والرفع والدفع يصححه الإمكان الذاتي والاقتضاء القابلي ، فليس يتوقف الذهاب على الوجود الفعلي كما يتوهم وهذا الذي قررنا باللغة العقلية هو المعنى الثاني للإذهاب الذي أشرنا إليه سالفا بمعنى الصرف والابعاد للرجس عن حريم الذوات المطهرة . * أما الآية الثانية وهي ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَاب مَكْنُون 78 لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) . لقد تقدم البحث في شؤون كتاب في الطوائف السابقة ونشير هنا إلى المراد من المس ، وقد ذكر ان المس غير اللمس الحسي بل يقصد به الإدراك والعلم به ، وعليه يحمل على ان الكتاب مكنون في العوالم العلوية لا يصل إليه إلا المطهر ،