نام کتاب : الإمام جعفر الصادق ( ع ) نویسنده : عبد الحليم الجندي جلد : 1 صفحه : 97
الرجلان الحق أن الاختلاف كان شديدا بين الإمام جعفر الصادق وبين الخليفة أبى جعفر المنصور : في طبيعتهما وطريقتهما وغاياتهما . هذا صاحب سلطان . فيه شركاء متشاكسون ، تركبه هموم الدنيا ، وتلبس جلده شياطينها . يترافع لينحني الناس له ، ويجمع دنياهم في قبضته . شحيح النفس منقبض اليد ، " دوانيقي " ، يحسب بالدرهم والدانق [1] تبدو منه صعقات السلطان عند الفزع . وتحوله مطامعه من الدماثة إلى الشراسة . فلا يطمئن له أحد . أقام دولته على أشلاء الأعداء ، وفزع الأقرباء ، وجماجم أهل البيت . في خزائنه ! أما الإمام فرجل سلم لكل رجل : يتواضع ليرفع الناس كلهم ، ولا تستعبده الدنيا قيد أنملة . يعطى ولا يأخذ . ويحيى أنفس الناس ، بالعطاء المسماح من العلم ، والجاه ، والمال . ( ما قال لا قط إلا في تشهده ) . فهكذا كان أبوه وجده . والحق كذلك أن المنصور - بنجاحه في إقامة أكبر دولة في التاريخ الوسيط - يعتبر واحدا من ثلاثة لا يعرف لهم التاريخ الإسلامي رابعا . ولا ينزل بهم التاريخ العالمي عن أعظم المؤسسين للدول . أولهم معاوية بن أبي سفيان ، وثانيهم عبد الملك بن مروان . مصايرهم متشاكلة . ووسائلهم متشابهة ، وخصامهم لأهل البيت أساس دولتهم . ونجاحهم في دنيا السلطة مقطوع القرين : . بدأوا علماء ، وانتهوا ملوكا كالملوك الأعاجم ! والإسلام فضل من الله ، يسخر لخدمته من يشاء . ولو مال عن الجادة رجل ، فإنما يخذل نفسه ولا يصيب الإسلام بسوء .