المنصور يوماً وقد اخضلّت لحيته بالدموع ، وقال لي : ما علمت ما نزل بأهلك فقلت : وما ذاك يا أمير المؤمنين ، قال : فإنّ سيّدهم وعالمهم وبقيّة الأخيار منهم توفي ، فقلت ومَن هو ؟ قال : جعفر بن محمّد ، فقلت : أعظم اللّه أجر أمير المؤمنين وأطال لنا بقاءه ، فقال لي : إِن جعفراً كان ممّن قال اللّه فيه " ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " وكان ممّن اصطفى اللّه ، وكان من السابقين في الخيرات [1] . هذا وهو المنصور العدوّ الألدّ للصادق ، الذي كان مجاهداً في النيل من كرامته والقضاء عليه . بل أن الملاحدة على كفرهم وعدائهم للاسلام ورجاله كانوا يعظّمونه ويعترفون له بغزارة العلم ، والميزة بالصفات الروحيّة والملكات القدسيّة ، أمثال ابن المقفّع وابن أبي العوجاء والديصاني وغيرهم ، فهذا ابن المقفع يقول : ترون هذا الخلق وأومأ بيده إلى موضع الطواف - ما منهم أحد أوجب له اسم الانسانيّة إِلا ذلك الشيخ الجالس ، يعني الصادق عليه السّلام ، وقال ابن أبي العوجاء : ما هذا ببشر ، وإِن كان في الدنيا روحاني يتجسّد إذا شاء ويتروّح إذا شاء باطناً فهو هذا ، يعني الصادق عليه السّلام . [2] وكان ابن أبي العوجاء إذا سأل أحد أصحاب الصادق عليه السّلام عن شيء غامض واستمهله ، ثمّ أتاه بالجواب بعد حين واستحسنه ، قال : هذه نقلت من الحجاز . وهكذا كان الديصاني مع أصحاب الصادق عليه السّلام ، وما يقوله فيما
[1] تأريخ اليعقوبي : 3 / 117 . [2] الكافي : كتاب التوحيد منه ، باب حدوث العالم وإثبات المحدث : 1 / 74 .