وهو في الحيرة فأتيته فسلّمت عليه ، فأورد إِليّ المجلس فجلست ثم التفت إليه فقال : يا أبا عبد اللّه هذا أبو حنيفة ، قال : نعم أعرفه ، ثمّ التفت إِليّ فقال : القِ على أبي عبد اللّه من مسائلك ، فجعلت ألقي عليه فيجيبني فيقول : أنتم تقولون كذا ، وأهل المدينة يقولون كذا ، ونحن نقول كذا ، فربما تابعناكم ، وربما تابعناهم ، وربما خالفنا جميعاً ، حتّى أتيت على الأربعين مسألة ، فما أخلّ منها بشيء ، ثمّ قال أبو حنيفة : أليس أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس . بل ان المنصور نفسه وهو مَن علمت كيف يحرّق الأرم [1] على أبي عبد اللّه عليه السّلام قد ينطق بالحقّ ، عند ذكره أو مقابلته ، فيقول : هذا الشجى المعترض في حلقي من أعلم الناس في زمانه [2] ويقول أخرى : وإنه ممّن يريد الآخرة لا الدنيا [3] ويقول تارة : إنه ليس من أهل بيت نبوّة إِلا وفيه محدّث ، وإن جعفر بن محمّد محدّثنا اليوم [4] ويقول مخاطباً للصادق عليه السّلام : لانزال من بحرك نغترف ، واليك نزدلف ، تبصر من العمى ، وتجلو بنورك الطخياء [5] فنحن نعوم في سحاب قدسك ، وطامي بحرك [6] ، ويقول لحاجبه الربيع : وهؤلاء من بني فاطمة لا يجهل حقّهم إِلا جاهل لا حظّ له في الشريعة [7] . ويقول إسماعيل بن علي بن عبد اللّه بن العبّاس : دخلت على أبي جعفر
[1] كركع - الأضراس ، ولتولّد الحرارة فيها من حكّ بعضها ببعض يقال يحرقها ، وهو مثَل يضرب لمن يبلغ به الغيظ شدّته لأن الحكّ من آثاره . [2] كتاب الوصيّة للمسعودي . [3] كشف الغمّة عن تذكرة ابن حمدون : 2 / 209 . [4] الكافي : باب مولده عليه السلام : 1 / 475 ، وبصائر الدرجات ، والمناقب ، والخرائج والجرائح . [5] الليلة المظلمة ، ولعلّه كناية عن الأمور المشكلة التي لا يهتدي الناس إِلى حلّها . [6] بحار الأنوار : في أحوال الصادق عليه السلام : 47 / 199 . [7] مهج الدعوات لابن طاووس : ص 192 ، بحار الأنوار : 47 / 199 .