ولا تعترف بمثل هذه الإمامة ، بل ترى أن الخليفة والإمام من كان جامعاً لصفات الكمال كلّها ، عارياً عن خصال النقص جميعاً ، عاملاً بأوامر الشريعة في السرّ والعلن آمراً بها ، مرتدعاً عن نواهيها فيما ظهر وبطن ناهياً عنها ، منصوصاً عليه من صاحب الشريعة ، أو من الإمام قبله أمراً من اللّه سبحانه ، لأنه تعالى أنظر لعباده ، وأبصر بمن يصلح لهذا المنصب الخطير . ولا ترى الإمام من قام بالناس بل الإمام من قامت الدلالة عليه ، ودلّت الإشارة إليه ، وإِن قعد الناس عن اتباعه ، بل وإِن قاموا في وجهه صدّاً له عن أدائه فروض إِمامته وواجبات زعامته . وإِن قعودهم عن طاعته أو قيامهم في معارضته لا تخدش في كفايته للنهوض بأعباء الإمامة ، بل حظّهم أخطأوه وسبيل هدى أضاعوه . فالإمام - على ما تراه الإماميّة - هو الحامل لأعباء الإمامة قام أو قعد ، نطق أو سكت ، تقدّم للسباق أو تأخّر ، لأن إِمامته ليست باللباس المستعار يلبسه إِن استلبه من غيره ، ويتعرّى عنه إِن استلبوه منه . ولمّا كان الإمام هو الحجّة البالغة ، وجب عليه إِعلام الناس بإمامته وإِقامة الأدلّة عليها عند الحاجة الماسّة ، كما وجب على الأمّة معرفته وطاعته إِذا عرفوه . وأما إِقامته الدلالة على إمامته فبالتصريح مرّة وبالتلويح أخرى ، وكفى في الدلالة أن يدلي بالكرامات والمعجزات ، ويبدي من العلم ما يعجز الناس عن الحصول على مثله ، إِلا أن تحجز السيوف دون بيانه ، ولكن أعماله وسجاياه ناطقة بمقامه وإِن صمت لسانه . والإمامة من الأبحاث التي ما زالت موضع الجدل والخصام بين المسلمين من يوم مضى صاحب الدعوة الاسلاميّة ، قلماً ولساناً ، وسيفاً وسناناً ، وإنما تبتني