الاعتزال ما نقله صاحب " الفرق بين الفِرَق " ص 94 عن الكعبي في مقالاته : إِن المعتزلة أجمعت على أن اللّه عزّ وجل شيء لا كالأشياء ، وأنه خالق الأجسام والاعراض وأنه خَلق كلّ ما خَلقه من لا شيء ، وأن العباد يفعلون أعمالهم بالقدر التي خلقها اللّه سبحانه وتعالى فيهم ، قال : وأجمعوا على أن اللّه لا يغفر لمرتكبي الكبائر بلا توبة . هذا ما حكاه عن الكعبي في القول الجامع في الاعتقاد لِفرق المعتزلة ، ونكتفي به عن الكلام عمّا يعتقدون ، ولسنا بصدد التمحيص لنضع هذا الكلام في ميزان النقد ، ونتعرّف صحة ما صوَّبه صاحب الفرق نحو هذا الزعم كما دعانا هذا لإغفال ما ينسبه إليهم ابن حزم والشهرستاني وصاحب الفرق من الأقوال الكثيرة . ثمّ اننا بعد هذا لا نتبسّط في البحث عن فروع ذلك الأصل ، وما يمتاز به كلّ فرع منها في الاعتقاد فيما يزيد على الجامع ، فإن التبسّط خروج عن الخطّة الموسومة ، مع اننا لا نأمن من العِثار . وهل القدريّةِ هم هؤلاء المعتزلة ؟ أو هم نفس الأشاعرة ؟ ذلك موضع الشكّ ، لأنّا إن أردنا من القدريّة من يقول : بأن أفعال العباد مخلوقة لهم وأنها من صنعهم وتقديرهم وإِنما خلق اللّه فيهم قوّة وقدرة بها يفعل العباد أعمالهم فهم المعتزلة ، على ما نقل عنهم من القول الجامع السابق ، ولا يكونون على هذا نفس الأشاعرة ، لأن الأشاعرة على العكس من ذلك يرون أن الأفعال كلّها من صنع اللّه تعالى وتقديره دون العبد . وإِن أردنا من القدريّة من يقول بأن القدر خيره وشرّه من اللّه تعالى فيكونون حينئذٍ هم الأشاعرة يقيناً . وقد روى الشهرستاني عن النبي صلّى اللّه عليه وآله قوله : القدريّة مجوس هذه الأُمّة ، وقوله : القدريّة خصماء اللّه في القدر . [1]
[1] انظر المِلل والنِحل المطبوع على هامش الفصل : 1 / 50 - 51 .