كانت واقعة الطفّ وتضحيات العلويّين مثالاً لأرباب الدين وتعليماً لرجال الحقّ عند المنافسة بين الهدى والضلال ، والحقّ والباطل ، ولم تدع عذراً لدعاة الدين عن الفداء في سبيل النصرة ، فإنهم بأعمالهم علّموهم كيف يكون الانتصار في هذه التضحية ، وكيف تكون الحياة في هذا الممات ، وإِنَّ تلك التجارب للجام الأفواه عن العذر بالعجز ، إِذ ليس النصر لفوز العاجل وإِلا فإن يوم الحسين وأيام العلويّين كانت أيام الظفر لأعدائهم ، ولكن ما عرف النّاس إلا بعد حين أن الظفر والفوز كانا لأُولئك العلويين الناهضين الذين بذلوا ما لديهم في سبيل الدين ، وأن الخسران في الدنيا والدين لأعدائهم الظافرين في يومهم . وبتلك الحوادث بانَ للعالم ما كان عليه أهل البيت من الدين والجهاد في إِحياء الشريعة ، وما كان عليه أعداؤهم من الدنيا والحرب للدين ، واتضحت نوايا الفريقين ، وبانت أقصى غاياتهم من أعمالهم هاتيك ، وإِلا فأيّ ذنب للطفل الرضيع وقد جفَّ لبنه وذبلت شفتاه عطشاً أن يقتل على صدر أبيه ، حتّى يتركه السهم يرفرف كالطير المذبوح . وأيّ ذنب للأطفال الذين لم يحملوا السلاح ، ولم يلجوا حومة الحرب أن يُذبحوا صبراً ، أو يُداسوا بالخيل قسراً . وأيّ ذنب للنساء عقائل الرسول صلّى اللّه عليه وآله أن تسبى على الهزل بعد السلب والسبّ الضرب ، ولماذا تُحمل من بلد لآخر كما تساق الإماء . ولو أن الحسين ورهطه قد حاربوا طلباً للسلطان لما استحقَّ بعد القتل أن يُداس جسمه ويُرفع على القناة رأسه ، وتُسبى على المهازيل أهله ، أترى أن قطع الرؤوس ، ورضّ الصدور والظهور بسنابك الخيل ، وسلب الجثث وتركها عارية ، وإِبقائها بالعراء بلا دفن ، وأخذ النساء أسارى مّما يُجازى به القتيل الناهض للمُلك والسلطان . إِن الذي يذر الملح على الجرح ، وينكأ القرحة ، ويزيد في النكبة أن