كانت دعواته إِلا لخير الناس ، نعم قد يدعو على أحد إذا كان في ذلك صلاح وإِلا فإنّه الحليم الأوّاه الذي لاقى من أعدائه أذىً تسيخ عن حمله متون الرواسي ولم يَدع على واحد منهم ، اللّهمّ إِلا على داود بن علي والحَكم الكلبي لأمر هو أعرف به ، كما دعا على بعض غلمان زمزم . كان أبو عبد اللّه عليه السلام ومعه بعض أصحابه يتغذّون فقال لغلامه : انطلق وآتنا بماء زمزم ، فانطلق الغلام فما لبث أن جاء وليس معه ماء ، فقال : إِن غلاماً من غلمان زمزم منعني الماء وقال : أتريد الماء لإله العراق ، فتغيّر لون أبي عبد اللّه عليه السلام ورفع يده عن الطعام وتحرّكت شفتاه ، ثمّ قال للغلام : ارجع فجئنا بالماء ، ثمّ أكل فلم يَلبث أن جاء الغلام بالماء وهو متغيّر اللون ، فقال : ما وراك ؟ فقال : سقط ذلك الغلام في بئر زمزم فتقطّع وهم يخرجونه ، فحمد اللّه عليه [1] . وأرسل غلامه مرَّة إلى بئر زمزم ليأتيه بالماء ثمّ سمعوه يقول : اللّهمّ اعمِ بصره ، اللّهمّ أخرس لسانه ، اللّهم أصم سمعه ، فرجع الغلام يبكي ، فقال : ما لَكَ ؟ قال : إِنَّ فلاناً القرشي ضربني ومنعني من السقاء ، قال : ارجع فقد كفيته ، فرجع وقد عُمي وصُمَّ وخرُس وقد اجتمع عليه الناس [2] . إِعلامه عن الحوادث كم أعلمَ عليه السلام عن حادثة وقعت بعد حين ، وعن أمر حدث كما أخبر عن مُلك بني العبّاس مراراً قبل أن يكون ، جاءه أبو مسلم الخراساني وناجاه سرّاً بالدعوة له ، وأعلمه أنّ خلقاً كثيراً أجابوه ، فقال له الصادق عليه السّلام :
[1] بحار الأنوار : 47 / 98 / 15 ، الخرائج والجرائح لقطب الدين سعد اللّه بن هبة اللّه الراوندي ، وكان من العلماء المتبحّرين والفقهاء المحدّثين ومن تآليفه شرح النهج وكانت وفاته في شوال عام 573 . [2] بحار الأنوار : 47 / 108 / 139 .