إِن من قبض عنان نفسه بيده وتجرّد عن هذه الفتن الخدّاعة في هذه الحياة ، واتجه بكلّ جوارحه لرضى خالقه يستكثر منه إذا روت الثقات عنه هذا وأشباهه . وما كان غريباً ما يُروى من دخول سفيان الثوري [1] عليه ، وكان على الصادق عليه السلام جبَّة من خز ، وقول سفيان منكراً عليه : إِنكم من بيت نبوَّة تلبسون هذا ، وقول الصادق عليه السلام : ما تدري أدخِل يدك ، فإذا تحته مسح من شعر خشن ، ثمّ قال عليه السلام : يا ثوري أرني ما تحت جبّتك ، فإذا تحتها قميص أرقّ من بياض البيض ، فيخجل سفيان ثمّ يقول له الصادق عليه السلام : يا ثوري لا تكثر الدخول علينا تضرّنا ونضرّك [2] . وأمثال هذا ممّا روي عنه جمّ كثير ، نحن في غنى عن سرده ، فإنَّ سادات أهل البيت أعلى كعباً ، وأرفع شأناً ، من أن تحسب مثل هذه الشؤون فضائلهم الجليلة . وأمّا سفيان فجدير بالإمام ألا يرغب في دنوّه ما دام يخالفه في رأيه
[1] هو سفيان بن سعيد بن مسروق الكوفي الشهير وله رواية عن الصادق عليه السلام ولد أيّام عبد الملك ، ومات بالبصرة عام 161 . [2] لواقح الأنوار ومطالب السؤل وحلية الأولياء : 3 / 193 وقد روي إِنكاره على الإمام حسن بزّته من طرق عديدة وفي كيفيّات عديدة ، ولعلّها كانت متعدّدة ، فلا يمتنع في الثانية بعد جوابه في الأولى ، وممّن روى ذلك أبو نعيم في حلية الأولياء : 3 / 193 وقد ذكرنا مناظرة الصادق عليه السلام الطويلة في الزهد مع سفيان وجماعته في أخريات حياته العلميّة .