صدقة يحدّثنا عنها الصادق نفسه فيقول : إِن من اتّبع هواه واُعجب برأيه كان كرجل سمعتُ غثاء الناس تعظّمه وتصفه ، فأحببت لقاءه حيث لا يعرفني ، فرأيته قد أحدق به كثير من غثاء العامّة ، فما زال يراوغهم حتّى فارقهم ولم يقر فتبعته ، فلم يلبث أن مرَّ بخبّاز فتغفّله وأخذ من دكّانه رغيفين مسارقة ، فتعجّبت منه ، ثمّ قلت في نفسي : لعله معاملة ، ثمّ أقول : وما حاجته إِذن إلى المسارقة ، ثمّ لم أزل أتبعه حتّى مرَّ بصاحب رمّان ، فما زال به حتّى تغفّله فأخذ من عنده رمّانتين مسارقة ، فتعجّبت منه ثم قلت في نفسي : لعلّه معاملة ، ثمّ أقول : وما حاجته إِذن إِلى المسارقة ، ثمّ لم أزل أتبعه حتّى مرَّ بمريض فوضع الرغيفين والرمّانتين بين يديه . ثمّ سألته عن فعله فقال : لعلّك جعفر بن محمّد ، قلت : بلى ، فقال لي : وما ينفعك شرف أصلك مع جهلك ؟ فقلت : وما الذي جهلت منه ؟ قال : قول اللّه عزّ وجل " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيّئة فلا يجزى إِلا مثلها " ( 1 ) وإِني لمّا سرقت الرغيفين كانت سيّئتين ، ولمّا سرقت الرّمانتين كانت سيّئتين ، فهذه أربع سيّئات فلما تصدَّقت بكلّ واحدة منها كان لي أربعين حسنة ، فانتقص من أربعين حسنة أربع سيّئات وبقي لي ستّ وثلاثون حسنة ، فقلت : ثكلتك أمّك أنت الجاهل بكتاب اللّه ، أما سمعت اللّه تعالى يقول " إِنما يتقبّل اللّه من المتّقين " إِنك لمّا سرقت رغيفين كانت سيّئتين ، ولمّا سرقت رمّانتين كانت أيضاً سيّئتين ، ولمّا دفعتها إلى غير صاحبها بغير أمر صاحبها كنت إِنما أضفت أربع سيّئات إلى أربع سيّئات ، ولم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيّئات ، فجعل يلاحظني فانصرفت وتركته . قال الصادق عليه السلام : بمثل هذا التأويل القبيح المستكره يَضلّون ويُضلّون ( 2 ) .