أقول : إِن خلاصة كلام الصادق عليه السّلام : أن هذا العالَم إِذا ضمّ شيء منه إِلى شيء آخر حدث شيء أكبر ، وفي ذلك زوال عن الحالة الأولى وانتقال إلى حال أخرى ، والقديم لا تطرأ عليه هذه التحوّلات ، ولو كان ذلك التأليف بالفرض والوهم ، كما لو كانت الأشياء حسب فرض ابن أبي العوجاء باقية على صغرها لا تكبر ، لأنه من الأمور البديهيّة بل أبده البديهيّات أنه بضمّ شيء إِلى شيء تحصل زيادة على كلّ من الشيئين ، وهذه إِحدى بديهيّات أربع هي أساس العلوم الرياضيّة كلّها ، فقد أرجع الإمام الدليل على حدوث العالَم إلى أوضح بديهيّة في العقول التي لا يختلف فيها اثنان ، على أنه عليه السّلام مع ذلك أجاب على تقدير هذا الفرض المحال وهو أن الأشياء تبقى على ما هي عليه بضمّ بعضها إلى بعض أجاب بأن هذا الفرض نفسه هو فرض جواز التغيير عليه وخروجه من القِدم ودخوله في الحدث ، لأن المفروض أن العالَم تقبل الأشياء فيه الزيادة بضمّ بعضها إلى بعض ، فلو فرضناه عالماً آخر لا يقبل ذلك فقد فرضنا رفع هذا العالَم وتغييره ، فيتحقّق فيه الاستدلال على المطلوب . ما أدقّ هذا الدليل وأبدعه ، ولذلك انقطع به ابن أبي العوجاء وخزي . ولمّا كان في العام القابل التقى معه في الحرم ، فقال له بعض شيعته : إِن ابن أبي العوجاء قد أسلم ، فقال الصادق عليه السلام : هو أعمى من ذلك لا يسلم ، فلمّا بصر بالصادق عليه السلام قال : سيّدي ومولاي ، فقال له : ما جاء بك إلى هذا الموضع ؟ فقال : عادة الجسد وسنّة البلد ولنبصر ما الناس فيه من الجنون والحلق ورمي الحجارة ، فقال له الصادق عليه السّلام : أنت بعدُ على عتوّك وضلالك يا عبد الكريم ، فذهب يتكلّم ، فقال له : لا جدال في الحجّ ونفض رداءه من يده ، وقال : إِن يكن الأمر كما تقول وليس كما تقول نجونا ونجوت ، وإِن يكن الأمر كما نقول وهو كما نقول نجونا وهلكت [1] .