البحور واخترقت نواحي الهواء فيما فوق السماء أو تحتها إلى الأرض وما أسفل منها ، فوجدت ذلك خلاء من مدبّر حكيم عالم بصير ؟ قال : لا ، قلت : فما يدرك لعلّ الذي أنكره قلبك هو في بعض ما لم تدركه حواسّك ولم يحط به علمك ، قال : لا أدري لعلّ في بعض ما ذكرت مدبّرا وما أدري لعلّه ليس في شيء من ذلك شيء . أقول : ربّما يتوهّم بأن في كلام الصادق هذا إِشعاراً بالتجسيم لأنه جوّز أن يكون في جهة معيّنة وهو من شؤون الجسم ، ولكن ذلك كان منه إنكاراً على الطبيب الذي يريد أن يستدلّ على عدم الوجود بعد الوجدان ، وإِنما أراد الصادق أن يكذّب دعواه بعدم الوجدان فيورد عليه احتمال وجوده في جهة لم يصل إليها الطبيب ، وأن احتمال وجوده في جهة كافٍ في ردّ دعواه بعدم الوجدان ، وهذا من باب الإلزام للخصم وإِبطال حجّته لا من باب إِثبات وجوده في جهة ، وقد سبق من كلامه إِنكار إِدراكه بالحواس ، والمثبت في جهة خاصّة مدرك بالحواس . ثمّ قال الصادق عليه السّلام : قلت : أما إِذ خرجت من حدّ الإنكار إلى منزلة الشكّ فإني أرجو أن تخرج إلى المعرفة ، قال : فإنما دخل عليّ الشكّ لسؤالك إيّاي عمّا لم يحط به علمي ، ولكن من أين يدخل عليّ اليقين بما لم تدركه حواسّي ؟ قلت : من قِبل إهليلجتك هذه ، قال : ذاك إِذن أثبت للحجّة ، لأنها من آداب الطبّ الذي أذعن بمعرفته . ثمّ أن الصادق عليه السّلام صار يلقي عليه الأسئلة عمّا يخصّ الإهليلجة من كيفيّة صنعتها ، ومن وجود أمثالها في الدنيا ، والطبيب يراوغ في الجواب حذراً من الالتزام بالصنعة الدالّة على الصانع ، إلى أن ألزمه بما لا يجد محيصاً من الاعتراف به وهو أنها خرجت من شجرة .