وروحه ، والإرب في طلوعها ظاهر مستغن بظهوره عن الاطناب في ذكره ، والزيادة في شرحه ، بل تأمّل المنفعة في غروبها ، فلولا غروبها لم يكن للناس هدوء ولا قرار مع عظم حاجتهم إلى الهدوء والراحة لسكون أبدانهم ، ووجوم [1] حواسهم ، وانبعاث القوّة الهاضمة لهضم الطعام وتنفيذ الغذاء إلى الأعضاء ، ثمّ كان الحرص يستحملهم من مداومة العمل ومطاولته على ما يعظم نكايته في أبدانهم ، فإن كثيراً من الناس لولا جثوم [2] هذا الليل لظلمته عليهم لم يكن لهم هدوء ولا قرار حرصاً على الكسب والجمع والادّخار ، ثمّ كانت الأرض تستحمي [3] بدوام الشمس ضياءها ، وتحمي كلّ ما عليها من حيوان ونبات فقدّرها اللّه بحكمته وتدبيره تطلع وقتاً وتغرب وقتاً ، بمنزلة سراج يرفع لأهل البيت تارة ليقضوا حوائجهم ثمّ يغيب عنهم مثل ذلك ليهدأوا ويقرّوا ، فصار النور والظلمة مع تضادّهما منقادين متظاهرين على ما فيه صلاح العالم وقوامه . إِلى أن يقوم عليه السّلام في آخر هذا الفصل : فكّر في هذه العقاقير وما خصّ بها كلّ واحد منها من العمل في بعض الأدواء ، فهذا يغور في المفاصل فيستخرج الفضول مثل الشيطرج [4] وهذا ينزف المرّة السوداء مثل الافتيمون [5] وهذا ينفي الرياح مثل السكبينج [6] وهذا يحلّل الأورام وأشباه هذا من أفعالها ، فمَن جعل هذه القوى فيها إِلا من خلقها للمنفعة ، ومَن فطن الناس بها إِلا من جعل هذا فيها .
[1] سكوت . [2] جثوم الليل : انتصافه . [3] تشتدّ حرارتها . [4] بكسر الشين وفتح الطاء ، انظر شرحه في تذكرة الأنطاكي 1 / 153 . [5] يقول الأنطاكي في التذكرة 1 / 45 : يوناني معناه دواء الجنون . [6] بفتح السين وسكون الكاف ، انظره في التذكرة : 1 / 173 .