مدرسته العلميّة ما كان أخذ العلم عنه على الطراز الذي تجده اليوم من الحوزات العلميّة والنقاش في الدليل والمأخذ ، بل كان تلامذته يرون إِمامته عدا قليل منهم ، والإماميّة كما تقدّم ترى أن علم الإمام لا يدخل فيه الرأي والاجتهاد فيحاسب الإمام على المصدر والمستند ، وإِنما علمه إِلهي موروث ، نعم ربّما يسأله السائل عن علّة الحكم سؤال تعلّم واستفادة لا سؤال ردّ وجدل . على أن من أخذوا عنه العلم من غير الإماميّة كانوا يرون جلالته وسيادته وإِمامته [1] وقد عدّوا أخذهم عنه منقبة شرفوا بها وفضيلة اكتسبوها [2] . وهذا ابن أبي الحديد قد أرجع علم المذاهب الأربعة إليه في الفقه [3] . فكان السائل يأتي إليه ويستعلمه عمّا أشكل عليه ، وكان الكثير منهم قد استحضر الدواة والقرطاس ليكتب ما يمليه عليه الإمام ليرويه عنه عن تثبّت . وإِذا أردت أن تعرف مبلغ علمه فانظر إِلى كثرة من استقى منه العلم فقد بلغ من عرفوه منهم أربعة آلاف أو يزيدون ، ولماذا روى هؤلاء كلّهم عنه ولم يرووا عن غيره ، مع وفرة العلماء في عصره ، ولماذا إِذا روى أحد منهم عنه وقف عليه ، ولا يسأل عمّن يروي ما أملاه ، إِلا أن يخبر هو أن ما أملاه عن آبائه عن جدّه الرسول صلّى اللّه عليه وآله . وما كانت تلك المدرسة التي خرّجت ذلك العدد الجم مدرسة تريد أن تعلّم العلوم للذكر والصيت والفخر والشرف ، وما كانت غاية تلامذتها إِلا أن يتعلّموا