يزد اللّه في عمرك ، ويخفّف عنك الحساب يوم حشرك ، فقال المنصور : قد صفحت عنك لقدرك ، وتجاوزت عنك لصدقك ، فحدّثني عن نفسك بحديث أتعظ به ويكون لي زاجر صدق عن الموبقات ، فقال الصادق عليه السّلام : عليك بالحلم فإنه ركن العلم ، واملك نفسك عند أسباب القدرة فإنك إِن تفعل ما تقدر عليه كنت كمن شفى غيظاً ، أو تداوى حقداً أو يحبّ أن يذكر بالصولة ، واعلم بأنك إن عاقبت مستحقّاً لم تكن غاية ما توصف به إِلا العدل ، والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر ، فقال المنصور : وعظت فأحسنت ، وقلت فأوجزت [1] . أقول : إِن أمثال هذه المواقف تعطيك دروساً وافية عمّا كان عليه أهل ذلك العصر من سياسة وعلم واعتقادها وغيرها ، وهنا نستطيع أن نتعرّف عدّة أمور : 1 - إِن المنصور يريد ألا يظهر الصادق بمظهر الإمامة فحاول أن يخدعه أمام الناس بتلك الكلمات الليّنة ، وهنا تعرف دهاء المنصور ، لأن العبّاسيّين إِنما تربّعوا على الدست باسم الإمامة والخلافة ، فلو كان هناك إِمام آخر يرى شطر من الأمّة أنه صاحب المنبر والتاج لا يتمّ لهم أمر ، وهو يريد ألا يعارضه أحد في سلطانهم ، فكان المنصور يدفع عن عرشه بالشدّة مرّة وباللين أخرى فكان من سياسته أن جابه الصادق أمام ملأ من الناس بهذا القول وحسب أنّ الصادق سوف يبطل ما يقوله الناس فيه ، وبه يحصل ما يريد ، وهو يعلم أنّ الصادق لا يجبهه بالردّ ، حذراً من سطوته . 2 - إِن الصادق إِمام بجعل إِلهي كما يرى ذلك ويراه الشيعة فيه ، والإمامة
[1] بحار الأنوار : 47 / 168 في أحوال الصادق عليه السلام .