الصادق عليه السّلام ونفسيّة الدوانيقي ، كما لم نغب عن تأريخ الحوادث في ذلك العهد . إِن المنصور وإِن مَلك البلاد باسم الخلافة لكنه يعلم أن صاحبها حقاً هو الصادق عليه السّلام ، وأنه صاحب كلّ فضيلة وأنه لو أراد الأمر لم يطق المنصور أن يحول دونه ، فمن ثمّ تراه أحياناً يصفح عن وخزات الصادق عليه السّلام لا يريد أن تزداد الملاحاة في الكلام فتثير كوامن النفوس فتهيج ما يخافه من وثبة وثورة ، غير أن شدّة الحبّ للمُلك والمُلك عقيم ، والحبّ يعمي ويصمّ ، تبعث المنصور على الإساءة للصادق والسعي لإهلاكه ، فإذا عرف الصادق أن الموقف من الأوّل انبعث لإظهار الحقّ ، وأن الموقف من الثاني قابله بلين ليكفّ بغيه وعدوانه . وها نحن أوّلاً نورد بعض ما كان من الصادق مع المنصور وولاته من المواقف التي يعلن فيها بالحقّ غير مكترث بما له من سطوة ولولاته من قسوة . سأل المنصور الصادق عليه السّلام يوماً عن الذباب وهو يتطايح على وجهه حتّى أضجره فقال له : يا أبا عبد اللّه لِم خلق اللّه الذباب ؟ فقال الصادق عليه السّلام : ليذلّ به الجبابرة [1] فسكت المنصور علماً منه أنّه لو ردّ عليه لوخزه بما هو أمضّ جرحاً ، وأنفذ طعناً . وكتب إليه المنصور مرّة : لِم لا تغشانا كما تغشانا الناس ؟ فأجابه الصادق عليه السّلام : " ليس لنا ما نخافك من أجله ، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له ، ولا أنت في نعمة فنهنّيك ، ولا تراها نقمة فنعزّيك ، فما نصنع عندك " فكتب إليه : تصحبنا لتنصحنا ، فأجابه : " من