وتحت لبده سيف ذو فقار [1] كان لا يفارقه إِذا قعد في القبّة ، فقال : أبطلت وأثمت ، ثمّ رفع ثنّي الوسادة فأخرج منها إضبارة كتب فرمى بها إليه ، وقال : هذه كتبك إلى أهل خراسان تدعوهم إلى نقض بيعتي وأن يبايعوك دوني ، فقال : واللّه يا أمير المؤمنين ما فعلت ولا أستحلّ ذلك ولا هو من مذهبي ، واني ممّن يعتقد طاعتك في كلّ حال ، وقد بلغت من السنّ ما قد أضعفني عن ذلك لو أردته فصيّرني في بعض حبوسك حتّى يأتيني الموت فهو منّي قريب ، فقال : لا ولا كرامة ، ثمّ أطرق وضرب يده على السيف فسلَّ منه مقدار شبر وأخذ بمقبضه ، فقلت : إنّا للّه ذهب واللّه الرجل ، ثمّ ردَّ السّيف وقال : يا جعفر أما تستحي مع هذه الشيبة ومع هذا النسب أن تنطق بالباطل وتشقّ عصا المسلمين ، تريد أن تريق الدماء وتطرح الفتنة بين الرعيّة والأولياء ، فقال : لا واللّه يا أمير المؤمنين ما فعلت ولا هذه كتبي ولا خطّي ولا خاتمي ، فانتضى من السيف ذراعاً ، فقلت : إِنا للّه مضى الرجل وجعلت في نفسي إِن أمرني فيه بأمر أن أعصيه ، لأني ظننت أنه يأمرني أن آخذ السيف فأضرب به جعفراً ، فقلت إِن أمرني ضربت المنصور وإِن أتى ذلك عليّ وعلى ولدي وتبت إلى اللّه عزّ وجل ممّا كنت نويت فيه أولاً ، فما زال يعاتبه وجعفر يعتذر إليه ، ثمّ انتضى السيف كلّه إِلا شيئاً يسيراً منه ، فقلت : إِنا للّه مضى واللّه الرجل ، ثمّ أغمد السيف وأطرق ساعة ، ثمّ رفع رأسه وقال له : أظنّك صادقاً ، يا ربيع هات العيبة من موضع فيه في القبّة ، فأتيت بها ، فقال : ادخل يدك فيها وكانت مملوءة غالية وضعها في لحيته ، وكانت بيضاء فاسودَّت ، وقال لي : احمله على فاره من دوابي التي أركبها واعطه عشرة آلاف درهم وشيّعه إلى منزله مكرّماً وخيّره إِذا أتيت به المنزل بين المقام عندنا فنكرمه ، أو الانصراف إِلى مدينة جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، فخرجنا من عنده وأنا مسرور فرح لسلامة
[1] الفقار خرزات الظهر ، ويسمّى السيف بذي الفقار إذا كان في متنه حزوز تشبه فقار الظهر .