ازددت يقينا فدل على أنه يشاهد الآخرة مع الغيب عنها وقال عليه السلام ما من أحد منكم إلا قد عاين الجنة والنار إن كنتم تصدقون بالقرآن صدق لأن اليقين بالقرآن يقين بكل ما تضمنه من وعد ووعيد وهو أيضا في قلب العارف كالعلم البديهي الذي لا يندفع ولأجل هذا منعنا من أن المؤمن يكفر بعد المعرفة والإيمان فإن عارض أحد بقوله إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا قلنا آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم كما قال الله تعالى قالَتِ الأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ فالإسلام نطق باللسان واعتقاد بالقلب فلما علم سبحانه أنهم لم يعتقدوا ما نطقوا به حقا نفى عنهم أنهم مؤمنون فأول مقامات الإيمان المعرفة ثم اليقين ثم التصديق ثم الإخلاص ثم شهادة بذلك كله والإيمان اسم لهذه الأمور كلها فأولها النظر بالفكر في الأدلة ونتيجة المعرفة فإذا حصلت المعرفة لزم التصديق وإذا حصل التصديق والمعرفة لوجد اليقين فإذا صح اليقين أخالت أنوار السعادة في قلب بتصديق ما وعد به من رزق في الدنيا وثواب في الآخرة وخشعت الجوارح من مخافة ما توعد به من العقاب وقامت بالعمل والزجر عن المحارم وحاسب العقل النفس على التقصير في الذكر والتنبيه على الفكر فأصبح صاحب هذا الحال نطقه ذكرا وصمته فكرا ونظره اعتبارا واليقين يدعو إلى قصر الأمل وقصر الأمل يدعو إلى الزهد والزهد ينتج النطق بالحكمة لخلو البال من هموم الدنيا لقوله عليه السلام من زهد في الدنيا استراح قلبه وبدنه ومن رغب فيها تعب قلبه وبدنه فلا يبقى له نظر إلا إلى الله ولا رجوع إلا إليه كما مدح الله سبحانه إبراهيم عليه السلام بقوله إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ يعني رجاع إلى الله لا نظر له للدنيا وعلى قدر يقين العبد يكون إخلاصه وتقواه وهذه الأحوال الصحيحة توجب لصاحبها حالا يراها بين اليقظة والنوم ويحصل باليقين ارتفاع معارضات الوساوس النفسانية لأنه رؤية العيان بحقائق الإيمان وهو أيضا ارتفاع الريب بمشاهدة الغيب وهو سكون النفس دون جولان الموارد ومتى استكمل القلب بحقائق اليقين صار البلاء عنده نعمة والرخاء مصيبة حتى أنه يستعذب البلاء ويستوحش لمطالعة العافية