نام کتاب : مقارنة الأديان ، اليهودية نویسنده : الدكتور أحمد الشلبي جلد : 1 صفحه : 206
ويذكر الباحثون أن تقديم القرابين كان مرحلة من مراحل الرقي عند اليهود ، فقد كانوا يلجئون للسحرة والعرافين ، ولكن الكهنة قاوموا هذا الاتجاه فيهم ، ودعوا الناس ألا يعتمدوا إلا على قوة سحرية واحدة ، هي قوة القربان والصلوات والتبرعات ، وكان المعتقد أن القرابين تكفر ذنوب الناس وخطاياهم إذ باركتها يد الكاهن [1] . والتطور في نوع القرابين الذي ذكرناه آنفا كان نتيجة للتطور في الفكر اليهودي عن الإله ، فقد كان يهوه في بادئ الأمر إلها يحب الدم . وكانت اليهودية دين فزع وذعر وخوف ، ولم يكن يطفأ حقد الإله إلا بالدم المسفوك ، فلما ترقت فكرة اليهود عن الإله ، وقالوا بإله بر وصالح ، أصبح هذا يكتفي بالختان بدل الإنسان ، كما يكتفي بالحيوان والثمار ، وكان بعض بني إسرائيل يثورون أحيانا على الطقوس والقرابين والعبادات الشكلية بالمعبد ، ولكن أكثرهم على كل حال ، ظلوا خاضعين لها أطول فترات تاريخهم ، ومما ساعد على تقليل الثقة بالمعابد قبل بناء الهيكل تبادل التكذيب والتحقير بين المعبد والمعبد في المنافسات الشديدة ، فكانت هذه كلها مؤثرات تحاول أن تفك عقال أذهان الناس ، وتفتح أمامهم آفاقا أكثر سعة ، وأشد حرية من النظرة الدينية ، وكانت الكنوز الذهبية الضخمة تجذب الناس في عهد من العهود ، وتفعل فعلها السحري في نفوس السذج ، ثم أصبحت هذه الكنوز نفسها عاملا من عوامل التراخي في العبادة ، فما كان الجائع يستطيع أن يمسك بطنه ويخضع لثراء الأثرياء ، بعد أن تفتح ذهنه بعض الشئ . ومما أضعف نظام الكهنة كذلك ، قيام المركزية الدينية ببناء الهيكل ووضع التابوت به ، فأصبح هناك معبد واحد ومجموعة واحدة من الكهنة ، ونظر بعض الكهنة فوجدوا أنفسهم قد فقدوا كل سلطان لهم