نام کتاب : مقارنة الأديان ، أديان الهند نویسنده : الدكتور أحمد الشلبي جلد : 1 صفحه : 167
فبوذا يؤسس دعوته على حصوله على المعرفة أو بعبارة أخرى على تجربته الروحية التي لا يمكن بيانها بالألفاظ ، فدعوته حكاية عن تجربته وعن الطريق المؤدي إليها ، وهو يقول إن الحق لا يعرف بالنظريات ، بل بالسير في طريقه . وعلى هذا لم يعن بوذا بالحديث عن الإله ، ولم يشغل نفسه بالكلام عنه إثباتا أو إنكارا ، وتحاشى كل ما يتصل بالبحوث اللاهوتية وما وراء الطبيعة أو عن القضايا الدقيقة في الكون ، إذ كان يرى أن خلاص الإنسان متوقف عليه هو لا على الإله ، ويرى أن الإنسان صانع مصيره . ومن كلماته في ذلك : كونوا لأنفسكم جزائر قائمة بنفسها ، وكونوا لأنفسكم موائل وكهوفا ، ولا تعتصموا بملاذ خارجي ، ولا تحتموا بغير أنفسكم [1] . وكان ينهي أصحابه وزواره أن يخوضوا في هذه الأبحاث ، ويوبخهم على سؤالهم عن قضايا دقيقة مجردة ، ويأمرهم بالخوض في أعمالهم ودواعيها وميولهم وعواطفهم وعواملها ، وقد سأله أحد مريديه مرة : هل الذات موجودة ؟ فسكت ، فسأله : هل الذات ليست موجودة ؟ فظل ساكتا . فسأله : هل هذا الكون دائم أم غير دائم ؟ . . . وأخيرا قال بوذا لهذا المريد . هل قلت لك جئني أعلمك عن الذات وعن الكون ؟ لا ، لم أقل هذا ، أيها المريدون لا تفكروا كما يفكر الناس ، بل فكروا هكذا : هذا ألم . هذا مصدر الألم ، هذا إعدام الألم . هذا سبيل إعدام الألم . . ولكن بوذا اتجه أحيانا إلى جانب الانكار أكثر من اتجاهه إلى جانب الاثبات ، فقد وقف في إحدى خطبه يسخر ممن يقولون بوجود الإله ، وكان مما قاله في ذلك : إن المشايخ الذين يتكلمون عن الله ، لم يروه وجها