[ الرسالة إلى العبرانيين ] [ مدخل ] إن الرسالة إلى العبرانيين قد تحير قارئ عصرنا ، فإنه يشعر ، وهو يطالعها ، بالإعجاب تارة ، وبالاستغراب تارة . يعجب بما يلقاه من الكثافة التعليمية ، والإيغال في الكشف عن الإنسان في عدة فقرات . استعمل الكاتب عبارات لا مثيل لها لإعلان سمو المسيح ، وعرف في الوقت نفسه كيف يعبر تعبيرا موافقا للواقع عن التضامن الوثيق إلى أبعد حد ، الذي يجمع بين يسوع وإخوته . يظهر في كل سطر طول باع الكاتب في معرفة العهد القديم ، ويكمن حبه للكنيسة في كل إرشاد من إرشاداته . غير أن هناك أمورا تدعو إلى الاستغراب . فالكاتب يفيض في ذكر الطقوس القديمة وذبائح الحيوانات ، ويظهر مرونة فكرية كبيرة في تفسير رمزي للنصوص والأحداث ، ولإيحاء صلات أمور الأرض والأمثلة العليا التي في السماء ، وبين الأحداث التاريخية والأزل الإلهي . فكثير من القراء يشعرون عندئذ بأنهم يتعثرون ، فإذا حاولوا ، لامتلاك زمام أمرهم ، البحث في النص بزيادة من الدقة ، زاد سحر الانشاء في متاعبهم . مصدر هذا المؤلف موضع أسئلة متشعبة أثارت ، منذ العصور الأولى ، مجادلات وشكوكا أوقظت بعدئذ في عهد الاصلاح : من أين أتت هذه الرسالة ؟ أتمكن إناطتها باسم الرسول بولس أم لا ؟ لماذا لا تشبه إلا قليلا جدا رسائل بولس الكبيرة ؟ إلى من وجهت وما الذي دعا إليها ؟ أتراها رسالة حقا ؟ يجب البحث من كثب في هذه المسائل قبل إحصاء سريع لكنوز هذا المؤلف الجذاب . [ مصدر فيه نزاع ] طرأ على الموقف من الرسالة إلى العبرانيين كثير من التقلبات في القرون الأربعة الأولى . وهناك فرق ظاهر بين كنائس الشرق وكنائس الغرب في هذا الموضوع . ففي كنائس الشرق عدت الرسالة إلى العبرانيين دائما أبدا رسالة لبولس . إلا أن هذا التقليد على متانته لم يحل دون أن يلحظوا الفروق بين الرسالة إلى العبرانيين وسائر رسائل بولس . أراد اقليمنضس الإسكندري أن يوضح سبب هذه الخصائص ، فوصفها بأنها تكييف يوناني