كتبت خصوصا لتعرض ذلك المشهد من أدب الرؤى ( 2 تس 2 / 1 - 12 ) . فلو كان المراد توضيح تعليم سابق أو تصويبه ، فلماذا عرضه كأنه مجرد تذكير بتعليم ، سواء أكان بالكتابة أم بالمشافهة ، يشدد فيه على مجئ غير متوقع ليوم الرب ، " كالسارق في الليل " ؟ فالمسألة تبقى على بساط البحث ، ولا شك أنها ليست جوهرية ، لأن التقليد القديم لم يأت على ذكرها . إن الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي تتناول الحالة الخاصة بالجماعات المسيحية التي كانت هنا وهناك في قلق ، لأنها لم تر يوم الرب آتيا بالسرعة المتوقعة . فمن المعقول أن كاتبا مسيحيا كان مسؤولا عن إحدى الجماعات ومتضلعا من تعليم بولس رأى لزاما عليه أن يصوب ، في ظل الرسول ، تفسيرا خاطئا فيه خطر لانتظار عودة المسيح ، وأن هذا الرأي يشرح شرحا حسنا ما نشأ من المصاعب الملاحظة في التوفيق بين مختلف الأمور المذكورة أعلاه . لا تعود هذه الطريقة إلى روح التزوير ، كما قد يوحي إلينا الأمر فهمنا العصري للأدب ، فإن الأدب المسيحي واليهودي قد استعمل هذه الطريقة مرات كثيرة ليوضح تعليما تقليديا أو يوغل في شرحه . ومهما يكن من أمر ، كان للرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي جدوى كبيرة في تاريخ الكنيسة ، لأنها ، على ما فيها من تلميحات غامضة ، حالت دون كل تهرب من حقيقة المعركة التي يجب على المسيحيين أن يخوضوها في العالم ، ولأنها ذكرت بأن الرجاء المسيحي لا ينفصل عن السهر كل يوم . [ خبرة بولس الرسولية ] يستعمل بولس في الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيقي ، ولا سيما في الفصول الثلاثة الأولى ، صيغة الحاضر ، ولكنه لا ينفك يرجع إلى الماضي . فكلما انتقل القارئ من موضوع إلى موضوع ، صادف أفعالا مثل " ذكر " أو " علم " أو " عرف " بمعنى " تذكر هذا الحدث أو ذاك " ( 1 / 3 و 4 و 5 و 2 / 1 و 2 و 5 و 9 و 11 و 3 / 3 و 4 و 6 و 4 / 2 و 5 / 2 ) . ذلك بأنه لا معنى لعلاقات بولس الحاضرة بمراسليه إلا لأنها قائمة على ما عاشوا معا من حياة مشتركة قبل بضعة أشهر . فإن هذه العلاقات متأصلة في ما اختبر بولس والأخوة معا لدى نشوء الجماعة المسيحية ، لما أعلن الرسل الإنجيل . فقد حظينا ، بفضل هذه الإشارات إلى الماضي ، بشهادة ثمينة جدا . فلربما لم يكشف بولس قط عن سر أخبار في مثل هذه الدقة ، فقد شهدها هو بنفسه ، وهي تطلعنا على أول مرة تقبلت فيها جماعة بشرية الإيمان بالقيامة . لما تلقى أهل تسالونيقي الإنجيل بدلوا سيرتهم . فإنهم أخذوا ينتظرون مجئ يسوع ، الابن الذي أقامه الله من بين الأموات ، فكان لبولس أن يشكر الله على إيمانهم ومحبتهم وثباتهم ( 1 / 3 ) . نشأ هذا التبديل الجوهري ، قبل كل شئ ، عن تلك المبادرة نفسها ، مبادرة الله ، عن هذا الاختيار نفسه ، اختيار المحبة الذي جعل في الماضي شعب إسرائيل الشعب المختار ( 1 / 4 و 2 / 12 ) . وبولس يعرف حق المعرفة أن ليس له أن ينسب هذا الاهتداء إلى كلامه البشري ، ولم يطلب نجاحا لشخصه ، ولم يتوخ إرضاء الناس ( 2 / 3 ) . والحقيقة هي أن كلامه هو كلمة الله نفسه ، وأن قدرة الله هي التي مكنت هؤلاء اليونانيين " من ترك الأوثان ليعبدوا الله الحي الحق " ( 1 / 9 ) . فليس هذا الكلام مجرد