[ تحية وسلام ] [ 1 ] 1 من بولس عبد المسيح يسوع [1] دعي ليكون رسولا [2] وأفرد ليعلن بشارة الله [3] ، 2 تلك البشارة التي سبق أن وعد بها على ألسنة أنبيائه في الكتب المقدسة [4] ، 3 في شأن ابنه [5] الذي ولد من نسل داود بحسب الطبيعة البشرية [6] ، 4 وجعل ابن الله في القدرة ، بحسب روح القداسة [7] ، بقيامته من بين
[1] " يسوع المسيح " . في رسائل بولس عدة طرق لتسمية يسوع المسيح : المسيح والمسيح يسوع ويسوع المسيح . [2] راجع أيضا 1 قور 1 / 1 . تقال العبارة نفسها في القديسين ، أي المسيحيين ، في روم 1 / 7 و 1 قور 1 / 2 . [3] قل ما ترد هذه الكلمة في العهد القديم اليوناني . ولذلك يجب الانتباه إلى وجودها في بعض النبوءات المشيحية الكبرى ( اش 52 / 7 و 61 / 1 المستشهد بهما في روم 10 / 15 ولو 4 / 18 - 19 ) . وهنا يجب البحث عن السبب الذي يحمل كتاب العهد الجديد على استعمال هذه الكلمة في معنى دقيق وشبه اصطلاحي : البشرى التي يعلنها الله للعالم بإرساله يسوع المسيح لإنشاء ملكوته ( ومن هنا هذه التعابير المختلفة : بشارة الله ( روم 1 / 1 ومر 1 / 14 ) وبشارة يسوع المسيح ( روم 15 / 19 ومر 1 / 1 ) وبشارة الملكوت ( متى 4 / 23 . . ) . إن طابع البشارة الجديد يرتبط ، قبل كل شئ ، بشخص يسوع المسيح : سبق لنبوءات العهد القديم أن أنبأت بمحبة الله ومغفرته الممنوحتين لجميع الناس ، أما الآن ففي يسوع المسيح تتم المواعد . ولذلك يشدد الرسول في الآية 2 على هذا الأمر : فلقد أفرده الله ليحمل إلى الناس ، إلى الوثنيين وإلى اليهود ، تلك البشارة التي سبق للأنبياء أن أنبأوا بها . [4] قلنا ، في الحاشية السابقة ، أن الرسول يشدد على وحدة العهدين الأساسية . لا بد من لفت النظر إلى هذا الأمر ، فإن بولس يوجه كلامه إلى جماعة مؤلفة من مسيحيين من أصل يهودي ومن أصل وثني . ومراده أن يعرف " جميعهم " أنهم ورثة مواعد العهد القديم . [5] في الآيتين 3 و 4 ، وهما عبارة عن شهادة إيمان هامة ، تواز دقيق ( راجع لو 3 / 23 + ) . يسوع مولود ، بحسب الطبيعة البشرية ، من نسل داود ، أما بحسب الروح ، فإنه جعل ابن الله ، في القدرة ، بقيامته من بين الأموات . يرى بعض المفسرين أن بولس ينظر تباعا إلى " طبيعتي " المسيح ، البشرية ( الآية 3 ) والإلهية ( الآية 4 ) . ويرى بعضهم الآخر أنه ينظر إلى يسوع الناصري في وضعه البشري . قبل الفصح ، كان هذا متسما بضعف الجسد ( الآية 3 ) . أما بعد الفصح ، فقد اتسم بكمال الصفات الإلهية ( " في القدرة " ) . يقول بولس بأن يسوع كان ، وهو في الأرض ، ابن الله ( الآية 3 : " ابنه " ) ، وسيقول في روم 9 / 5 بأنه إله . لكن يسوع ، بعد قيامته ، جعل ابن الله بصفة جديدة ومشيحية ، وقد عهد إليه بإشراك المؤمنين في البنوة الإلهية ( روم 8 / 29 وغل 4 / 5 - 7 ) ، فهو رب الأحياء والأموات ( روم 14 / 9 ) . وردت هذه النظرة نفسها في خطب أعمال الرسل ( رسل 2 / 36 ) . [6] " ساركس " . يرد هذا اللفظ أكثر من عشرين مرة في هذه الرسالة . ففي سلسلة أولى من النصوص ، تدل هذه الكلمة ، كما وردت غالبا في العهد القديم ، على الشخص البشري ، الذي يغمره الخالق بخيراته ، وهو مع ذلك كان سريع العطب ، عرضة للموت . " كل جسد " ، أي كل إنسان ، كزهر الحقل ( اش 40 / 6 ) ، مكلل بالعظمة ومحدود في قدرته وعدد سنيه في وقت واحد . بهذا المعنى يقول بولس بأن يسوع " مولود من نسل داود بحسب الجسد " ( روم 1 / 3 ) ، أي إنه إنسان كامل في مصيره الملكي والأليم ، وإسرائيلي " بحسب الجسد " من بني إسرائيل ( روم 9 / 5 ) . يستعمل الرسول عبارة " كل جسد " الواردة في العهد القديم ، فيقول في صيغة النفي بأنه " ما من جسد " ، أي ما من إنسان ، يبرر بالعمل بأحكام الشريعة ( روم 3 / 20 وغل 2 / 16 ) ، لكيلا يفتخر أي أحد ( " أي جسد " ) أمام الله ( 1 قور 1 / 29 ) . في هذه النصوص ، يصور الإنسان إجمالا بصورة كائن " من لحم ودم " ( 1 قور 15 / 50 وغل 1 / 16 واف 6 / 12 ) ، معرض لمصاعب الحياة وقادر لذلك على وجود القوة والعون ، لا في الانقباض على نفسه ، بل في خالقه وحده . وعلى هذا النحو ، كثيرا ما تدل كلمة " الجسد " ، عند بولس ، على " جسم " المسيح أو الرسول المتألم ( قول 1 / 22 - 24 و 2 قور 12 / 7 وغل 4 / 13 - 14 وفل 1 / 22 - 24 ) . ويشير سياق الكلام ، في هذه النصوص ، إلى أنه ، حين يتألم " الجسد " ، فالانسان هو الذي يتألم في قلبه وروحه ، وفي جسمه أيضا . وأخيرا ، فإن هذا الجسد ، الذي لا يستطيع الإنسان أن يتكل عليه ، هو أيضا الإنسان المؤمن والواثق بإرادته . يميز بولس بين الفريسي ، وكان هو فريسيا ، والذين يقتدون به فيتكلون ، " لا على الجسد " ، أي على نجاحهم الديني ، بل على يسوع المسيح ( فل 3 / 3 - 7 ) . وفي سلسلة ثانية من النصوص ، لا يكتفي الرسول بالتشديد ، وهو يستعمل كلمة " الجسد " ، على الحدود الطبيعية التي رسمها الخالق للطبيعة البشرية ، بل يظهر هذه الطبيعة خاضعة لسيادة الخطيئة والموت وفسادهما . لا يطابق بولس بين الجسد ( حتى ولا الجسم ) والخطيئة ، ولا يجعل منه أبدا عنصرا ماديا يناقض عنصرا أسمى يكون النفس أو الروح . فإذا كان الجسد ، أي الضعف البشري ، مدعاة إلى القلق ، فهو هكذا بقدر ما تستعبده أو تسكنه قوى الدمار ، أي الخطيئة والأهواء التي فيه ، وفي النهاية الموت . ذلك هو تعليم الفصل السابع : حين كنا " في الجسد " ، كانت الأهواء الخاطئة تستخدم أعضاءنا من أجل الموت ( روم 7 / 5 ) . فيطابق الرسول بين ال " أنا " وهذا " الجسد " المستعبد ، قائلا : " لا يسكن في أي إصلاح ، أي في جسدي " ( روم 7 / 18 ) و " إني عبد بالجسد لشريعة الخطيئة " ( 7 / 25 ) . وفي سلسلة ثالثة من النصوص ، يصف الرسول تحرير الجسد بفضل الروح . ويستند إلى تحقيق هذا التحرر لحث المسيحيين على الحياة ، لا " بحسب الجسد " ، بل " بحسب الروح " . هذا هو موضوع الفصل الثامن . يقول بولس أولا إن الله حكم على الخطيئة ( لا على الجسد ) في جسد المسيح المصلوب ( روم 8 / 3 ) ، فيضع المؤمنين أمام خيار حاسم : إن استمروا على الحياة بحسب الجسد ، لن يستطيعوا إرضاء الله وساروا إلى الموت ، ولكن إن أطاعوا الروح الساكن فيهم ، ساروا إلى الحياة التي ظهرت في قيامة يسوع ( روم 8 / 11 ) . إن الرسول لا يصف هنا فئتين من الناس ، الواحدة جسدية والأخرى روحية ، بل يضع كل مسيحي أمام هذين الاحتمالين ، ومن هنا التنبيه الوارد في الآيتين 12 - 13 . إلا أن صرخة الانتصار التي تتخلل الفصل الثامن كله تبين أن الجسد والروح ليس هما قوتين متساويتين تتنازعان الإنسان بلا نهاية . فإن الحكم على الخطيئة في جسد المصلوب ( الآية 3 ) وقيامة يسوع في جسده ( الآية 11 ) قد افتتحا عهدا جديدا ، عهد التحرير النهائي . لقد حل زمن " ثمار الروح " محل زمن " ثمار الجسد " ( غل 5 / 13 - 25 ) . فإذا كان المسيحي لا يزال يحيا " في الجسد " ، فإنه لم يعد يحيا " بحسب الجسد " ، لأنه أصبح لذلك الذي أسلم نفسه من أجله ( غل 2 / 20 ) . غير أن هناك تنبيها هاما ، وهو أن على الإنسان ألا " ينتهي بالجسد " ، بعد أن ابتدأ بالروح ( غل 3 / 3 ) . [7] العبارة مأخوذة من العهد القديم ( راجع اش 63 / 10 ومز 51 / 13 ) .