وتفاصيلها . أنهم يعرضون تقليدا قد أصبح تفسيرا . فمن النظر الدقيق في النصوص تبدو بعض الأقوال أو بعض الروايات مراجع متينة إلى تاريخ رسالة يسوع ، وهناك طرق كثيرة في متناول علماء التاريخ يحاولون بها إثبات تلك المراجع . وهنا أمران لا بد من توضيحهما : - فمع أن مضمون الأناجيل لا يمكن أن يحقق كله تحقيقا تاريخيا ، فمن المؤكد أن هناك أدلة كثيرة ، تلقي هي أيضا ضوءا على سائر النصوص ، تمكننا من أن نعرف خلال التقليد أن الإيمان بالمسيح الذي قام من بين الأموات إنما هو متأصل في حياة يسوع الناصري وأعماله . - لا نصل إلى أقوال وأعمال يسوع إلا من خلال " الترجمات " التي تأتينا بها التقاليد القديمة ومؤلفات الإنجيليين . فالتعبير باليونانية عما كان أصله في الآرامية ليس أبرز مظهر من مظاهر النقل هذا . فلا شك أنه من الممكن أن نحاول استعادة ما قاله يسوع في لغة مولده ، كما أنه من الممكن أن نحاول استعادة الظروف الدقيقة التي ضرب فيها هذا المثل أو أجرى فيها ذلك الشفاء . غير أن هذه المحاولات تتأثر عند التفصيل بكثير أو بقليل من الرجوح . وهذه الحدود المفروضة على التحقيق التاريخي تنتج عن طبيعة الأناجيل . فالإيمان بالمسيح الحي كان ينير الذكريات عن يسوع ولم يكن من الممكن أن يعبر عنه إلا بالشهادة الحية بما تتضمنه من روايات جزئية وتكرار وتكييف وتدخل الشاهد أو الراوي . فبحث الناقد في الأناجيل يمكن من تخطي القراءة الساذجة والدخول في نظرة العهد الجديد بعينها . ومهما ابتعدنا في الرجوع إلى الماضي في أثناء التحقيق ، فلا يزال السؤال مطروحا : من هو يسوع ؟ فالقارئ الذي يرضى بأن يطالع الأناجيل وهو ينظر إليه هذه النظرة ، ولا سيما إذا قام بالبحث المقارن للنصوص ، لا يكون حائرا مترددا ، بل يجد دائما أكثر مما كان يتوقع قبل ذلك ، لأن كلا من الإنجيليين ، بفضل عناصر جوابه الكثيرة وطريقة فهمه لما أتاه من التقليد ، يوفر للقارئ سبل التثبت من معرفته ليسوع وإغنائها ، وذلك بإشراكه في الحركة التي لا تزال تنتقل من ماضي يسوع إلى إيمان الجماعة المسيحية الحاضر ومن يقين الشهود إلى ذلك الذي هو مصدره . [ الأناجيل وعلاقة بعضها ببعض ] وصلنا الإنجيل في صيغة أربعة كتب . وكل واحد منا يرى منذ أول مطالعة لها أن الإنجيل الرابع له ميزات خاصة ينفرد بها ، مع أنه لا يخلو من الروابط بالأناجيل الثلاثة الأولى ( راجع المدخل إلى إنجيل يوحنا ) . هذه الأناجيل الثلاثة هي شهادات وضعت قبل إنجيل يوحنا . ويمكن تأريخ إنجيل مرقس في السنين 65 - 70 وهو على الأرجح من أصل روماني . وأما إنجيل متى وإنجيل لوقا فلا تنعكس فيهما البيئات نفسها لأنهما وجها إلى بيئات أخرى ، وقد وضعا بعد إنجيل مرقس بخمس عشرة إلى عشرين سنة . ومع ذلك فالأناجيل الثلاثة تبدو في صيغ كثيرة التشابه حتى قيل لها " إزائية " ، أي أنه يمكن وضع نصوصها في ثلاثة أعمدة متوازية تساعد على المقارنة بينها . وهذا الأمر يثير مشكلة خاصة .