كل سنة سلطتها ترسيخا أمتن بمحو جميع الفوارق وبرد غزوات البرابرة ( الجرمانيين والفرتيين . . ) . ولما كانت الأمبراطورية حصيلة فتوحات كثيرة ، فقد ضمت بلادا مختلفة النظام : مصر وهي ملك خاص بالإمبراطور ينتدب إليها حاكما هو نائب للملك . والمحميات وهي ممالك قديمة احتفظت بهيئاتها التقليدية ، والأقاليم . ولا بد من التمييز بين الأقاليم المنوطة بمجلس الشيوخ ( آسية وهي آسية الصغرى ) والأقاليم التي ظلت الجيوش الرومانية معسكرة فيها وحيث يضطلع بالسلطة الحكام وهم مسؤولون لدى الإمبراطور وحده ( سورية ) ويدير الولاة شؤون أقطار لها ميزات خاصة ( اليهودية ) . هذا النظام ، نظام التسلط الذي لا يترك للأقطار سوى ظاهر الاستقلال الذاتي ( المجالس الإقليمية ) ، يضمن لجميع الناس سلاما محدودا ولكنه حقيقي استفادت منه على الخصوص مدن آسية ، بفضل التبادل التجاري الذي يزدهر عندما يسود النظام . ثم إن المدن تتمتع بشئ من الحرية : فالذي يدير شؤونها مجلس كان جميع المواطنين أعضاء فيه ، ويديرها خصوصا مجلس الأعيان ، وللجمعيات المهنية نصيب كبير في الحياة المحلية . ويحق للمرء أن يكون ابن مدينته وأن ينعم فوق ذلك بالجنسية الرومانية ، وقد تكون تلك الميزة وراثية ( ذلك شأن بولس ) أو يحصل عليها بالمال أو تمنح على سبيل المكافأة . والمواطن الروماني لا يتعرض للعقوبات الجسدية المعيبة ( رسل 22 / 25 - 29 ) ويحق له رفع دعواه إلى قيصر ( رسل 22 / 10 ) . وأخذ الناس ، قبل العهد المسيحي بقليل ، ينظرون إلى الأباطرة نظرهم إلى كائنات إلهية ، أبناء الله ، بل آلهة . وهذا التطور ، وقد أثرت فيه تأثيرا كبيرا معتقدات الشعوب الشرقية ( مصر وفارس ) ، موافق لمنطق الأمور . فلما كانت الأمبراطورية واحدة ، لزم أن تظهر العبادة أساسها الواحد . فضل طيباريوس وقلوديوس وسبسيانس أن يشجعوا عبادة الإمبراطور بعد موته فحسب ، في حين أن قليغولا ونيرون ودوميطيانس تركوا الناس يعبدونهم في أثناء حياتهم . والحقيقة أن رومة لم تفرض هذه الديانة ، فلم يكن للإمبراطور سوى أن يترك الأمر لتحمس الأقاليم والمدن والجمعيات المهنية أو شكرها أو تملقها . وذلك ما يوضح سبب ذلك الازدهار المدهش لتلك العبادة ( فقد خصتها أفسس بعدة معابد ) وكانت تتعايش تعايشا تاما مع أنواع أخرى من الدين . وكان كبار عظماء الكهنة يختارون من بين القضاة المحليين . وكان ذلك المنصب يكلف كثيرا من المال ، ولكنه كان يضمن لصاحبه نفوذا سياسيا حقيقيا لشدة التشابك بين الدين والإدارة . وقد سببت تلك الحالة للمسيحيين الأولين مشكلة عسيرة : كيف يمكنهم أن يظلوا مواطنين صالحين من غير أن يقبلوا أن يساقوا إلى عبادة الإمبراطور . فإن عدة أقوال وردت عند بولس الرسول تصبح واضحة إذا قرئت بالنظر إلى ذلك ، فقد كانت المسألة لا تقل عن نبذ نظرية تشمل العالم كله . في فصول الرؤيا كلام كثير على هذه المسألة الحامية الوطيس . وأول ما تتعلق به الجماهير الشعبية هو ما يعبد به الآلهة المألوفة التي تحميهم ، وهي قريبة جدا من الهموم اليومية . غير أن العبادات الوطنية وعبادة الإمبراطور هي التي تظهر على أحسن وجه ما يمتاز به دين ذلك الوقت : فالدين نافذ إلى أعماق الحياة اليومية ، فضلا عن أنه الدين الرسمي . فإن مراحل حياة الإنسان ، حياته الفردية وحياته عضوا في أي مجتمع كان ( الأسرة أو العشيرة أو الجمعية الحرفية أو المدنية ) ، تتأثر بالدين تأثرا عميقا . فكل منصب رسمي يلزم صاحبه بالاشتراك الفعال في العبادة .