رَدَّ السِّبَاحَ بِذِي يَدَيْهِ وَأَهْلُهَا * فِيهَا بِمَنْزِلَةِ السِّمَاكِ الْأَعْزَلِ قَدْ أَيْقَنُوا بِذَهَابِهَا وَهَلَاكِهِمْ * وَالدَّهْرُ يَرْعَاهَا بِيَوْمٍ أَعْضَلِ فَافْتَكَّهَا لَهُمْ وَهُمْ مِنْ دَهْرِهِمْ * بَيْنَ الْجِرَانِ وَبَيْنَ حَدِّ الْكَلْكَلِ مَا كَانَ يُرْجَى غَيْرُهُ لِفَكَاكِهَا * إنَّ الْكَرِيمَ لِكُلِّ أَمْرٍ مُعْضِلِ فَاحْتَمَلَ مَا فَعَلَهُ جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ ابْتَدَأَهُ مِنْ نَفْسِهِ تَنْزِيهًا لِلرَّشِيدِ عَنْ التَّظَلُّمِ فِيهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الرَّشِيدُ وَاضَعَهُ عَلَى هَذَا لِئَلَّا يُنْسَبَ أَبُوهُ وَأَخُوهُ إلَى جَوْرٍ فِي حَقٍّ وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَلِأَيِّهِمَا كَانَ فَقَدْ عَادَ بِهِ الْحَقُّ إلَى أَهْلِهِ مَعَ حِفْظِ الْحِشْمَةِ وَحَسْمِ الْبِذْلَةِ أَمَّا إنْ كَانَ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي جَنْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي مَشْهُورًا بِالظُّلْمِ وَالْخِيَانَةِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَشْهُورًا بِالنَّصَفَةِ وَالْأَمَانَةِ .وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي دَنِيئًا مُبْتَذَلًا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ نَزِهًا مَنْصُوبًا فَيَطْلُبُ إحْلَافَهُ قَصْدًا لِبِذْلَتِهِ .وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ لِدُخُولِ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَبَبٌ مَعْرُوفٌ وَلَيْسَ يُعْرَفُ لِدَعْوَى الْمُدَّعِي سَبَبٌ فَيَكُونُ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي جَنْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالرِّيبَةُ مُتَوَجِّهَةٌ إلَى الْمُدَّعِي ، فَمَذْهَبُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَتْ دَعْوَاهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ لَمْ يَسْمَعْهَا إلَّا بَعْدَ ذِكْرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي مَالِ الذِّمَّةِ لَمْ يَسْمَعْهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُعَامَلَةٌ ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يَرَيَانِ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْقُضَاةِ .فَأَمَّا نَظَرُ الْمَظَالِمِ الْمَوْضُوعُ عَلَى الْأَصْلَحِ فَعَلَى الْجَائِزِ دُونَ الْوَاجِبِ ، فَيَسُوغُ فِيهِ مِثْلُ هَذَا عِنْدَ ظُهُورِ الرِّيبَةِ وَقَصْدِ الْعِنَادِ ، وَيُبَالِغُ فِي الْكَشْفِ بِالْأَسْبَابِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى ظُهُورِ الْحَقِّ وَيَصُونُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا اتَّسَعَ فِي الْحُكْمِ ، فَإِنْ وَقَعَ الْأَمْرُ عَلَى التَّحَالُفِ وَهُوَ غَايَةُ الْحُكْمِ الْبَاتِّ الَّذِي لَا يَجُوزُ دَفْعُ طَالِبٍ عَنْهُ فِي نَظَرِ الْقَضَاءِ وَلَا فِي نَظَرِ الْمَظَالِمِ إذَا لَمْ يَكْفِهِ عَنْهُ الْإِرْهَابُ وَلَا الْوَعْظُ ، فَإِنْ فَرَّقَ دَعَاوِيَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ مِنْهَا عَلَى بَعْضِهَا قَصْدًا لِإِعَانَتِهِ وَبِذْلَتِهِ فَاَلَّذِي يُوجِبُهُ حُكْمُ الْقَضَاءِ أَنْ لَا يُمْتَنَعَ مِنْ تَبْعِيضِ الدَّعَاوَى وَتَفْرِيقِ الْأَيْمَانِ ، وَاَلَّذِي يُنْتِجُهُ نَظَرُ الْمَظَالِمِ أَنْ يُؤْمَرَ الْمُدَّعِي بِجَمْعِ دَعَاوِيهِ عِنْدَ ظُهُورِ الْإِعْنَاتِ مِنْهُ وَإِحْلَافِ الْخَصْمِ عَلَى جَمِيعِهَا يَمِينًا وَاحِدَةً .فَأَمَّا إنْ اعْتَدَلَتْ حَالُ الْمُتَنَازِعَيْنِ وَتَقَابَلَتْ بَيِّنَةُ الْمُتَشَاجِرَيْنِ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ حُجَّةُ أَحَدِهِمَا بِأَمَارَةٍ أَوْ مَظِنَّةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَهُمَا فِي الْعِظَةِ وَهَذَا مِمَّا يَتَّفِقُ عَلَيْهِ الْقُضَاةُ وَوُلَاةُ الْمَظَالِمِ ثُمَّ يَخْتَصُّ وُلَاةُ الْمَظَالِمِ بَعْدَ الْعِظَةِ بِالْإِرْهَابِ لَهُمَا مَعًا لِتَسَاوِيهِمَا ، ثُمَّ بِالْكَشْفِ عَنْ أَصْلِ الدَّعْوَى وَانْتِقَالِ الْمِلْكِ ، فَإِنْ ظَهَرَ بِالْكَشْفِ